المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
الجمعة 6 حزيران 2025 14:55:57
على عكس الأعياد السابقة، لم تشهد مدينة صور حركتها التجارية المعتادة. ولا يقتصر الأمر في المدينة على تقييم الحركة نسبياً ومقارنتها مع الفترات السابقة، إذ أنّ أبعاد التقييم هذه المرّة مختلفة ولا تقف عند الأحوال الاقتصادية، لأنّ ارتياد السوق اليوم، يحمل معه ثقل ما عاشه الناس إثر الحرب الإسرائيلية مدمّرة.
تحضَّرَت المحال التجارية في مدينة صور لاستقبال الناس في عيد الأضحى. وجوههم وأحاديثهم وما يختارونه من مستلزمات للعيد، تخبر عن أحوالهم التي لا تسرّ أبداً. وإلى جانب المشهد التجاري، يحمل المشهد السياحي بعض التفاؤل في المدينة التي ارتبط اسمها بالبحر الذي يشكّل عماد صورتها السياحية.
العيد مات
في السوق التجاري للمدينة، حركة أقلّ من عادية، لدرجة أنّ "أي يوم عادي في السنة، كان يحمل ازدحاماً أكبر ممّا نراه اليوم"، يقول أحد أصحاب محال بيع الثياب في السوق. ويضيف في حديث لـ"المدن"، أنّ حركة الناس "لا توحي بالتحضير للعيد".
استقبال الأعياد سابقاً "كان يبدأ قبل نحو أسبوع، عبر تحضير الباعة بضائعهم، سواء بطلب كميات إضافية أو ترتيبها بصورة جاذبة للزبائن، كما أنّ البعض كان يستعين بموظّفين إضافيين. لكن هذه المرّة وصلنا إلى يوم العيد من دون تحضيرات مسبقة، بل اكتفينا بشكل كبير بما لدينا من بضائع مع بعض الزيادة الطفيفة التي كنّا نطلبها في الأيام العادية وليس في المناسبات".
ويُجمِع أصحاب المحال التجارية على أنّ الزبائن "يدخلون إلى المحال وكأنّهم قرّروا مسبقاً ما يريدونه. بعضهم يشتري قميصاً أو كنزة فقط لأنّ لديه بنطالاً، أو العكس. فالزبائن يفضّلون شراء الأمور الضرورية لا أكثر. ومن الواضح أنّ غالبية الأهل اتّجهوا لشراء ثياب العيد لأولادهم فقط، في حين كانوا في السابق يختارون ثياباً لهم ولأولادهم".
الصورة عينها انسحبت على المجمّعات التجارية المحيطة بالمدينة. فروّادها هم أبناء القرى الذين تتشابه أحوالهم المادية وظروفهم الحياتية. وهذا الواقع، جعل الأسعار ثابتة، في حين كان متوقّعاً ارتفاعها وإن بنسبة طفيفة "لكن لم يكن ممكناً رفع الأسعار لأنّ الناس لا زالت تحت صدمة الحرب، وأوضاعهم المادية صعبة. ولذلك، بقيت الأسعار على ما هي عليه تشجيعاً للشراء".
هذا الواقع يعَبَّرَ عنه أحد أصحاب المحال بالقول إنّ "العيد مات بالحرب. والناس لا تشعر به لأنّها لا تزال موجوعة، وأغلب العائلات في المنطقة فقدت بعض أفرادها، ولذلك لا تهتمّ بالعيد، بل تشتري بعض الأغراض للأطفال". ومع ذلك "لا يمكننا إقفال محالنا، بل نعتبر هذا اليوم كأيّ يوم آخر، ونبيع وفق ذلك، فالاستمرارية مطلوبة".
التعويض بالبحر
وسط الصورة القاتمة لما تعيشه المدينة تجارياً "يبقى البحر هو المتنفّس الوحيد أمام الناس التي تعاني من آثار الأزمة الاقتصادية ونتائج الحرب"، وفق ما تقوله مالكة إحدى الاستراحات على شاطىء صور الرملي، أمل وزني التي ترى في حديث لـ"المدن"، أنّ الإقبال على البحر حالياً "ينبىء بأنّ الموسم سيكون واعداً. ونأمل في أن يعوِّضَ ما فاتنا في الحرب، إذ اضطررنا للتعامل مع القصف بسرعة. فقد استهدفت غارة إسرائيلية مكاناً مقابل الخيم، وتضرَّرَت خيمتي وتعرّضَت لسرقة محتوياتها. لكن بعض أصحاب الخيَم الأخرى تمكّنوا من توضيبها في وقت سابق، ما ساعدهم على بدء الموسم الحالي بسرعة ومن دون أضرار".
في العيد "تنشط حركة روّاد البحر بسبب عطلة المدارس والوظائف". ولمزيد من التشجيع، تلفت وزني النظر إلى أنّ "لا زيادة على الأسعار، وهي مقبولة أكثر من أسعار المطاعم". ولكي تكتمل الصورة الإيجابية "على الوضع الأمني أن يتحسَّن، لأن روّاد الشاطىء من خارج صور لا زالوا خائفين، والحركة اليوم تعتمد بشكل أساسي على أهل المنطقة".
ينتظر تجّار صور وروّادها معطيات تضفي على المدينة وجوارها بعض التفاؤل. هذه المعطيات تأتي من خارج المدينة وتتّصل بالقرارات السياسية العابرة للحدود، والتي تضمن الأمن في البلاد. كما أنّ عملية إعادة الإعمار تسهم في استعادة جزء من الوتيرة اليومية التي فُقِدَت في الحرب إثر الموت والدمار. فالتجوال الحالي في صور لا يخلو من مشاهد الأبنية المدمّرة التي تذكّر الجميع بما مرّ عليهم. وإلى أن تلتقط المدينة أنفاسها وتعود صورة "الزبائن التي تقف بالطوابير أمام المحال التجارية"، هناك وقت ليس بقصير، وإلى حينه "يبقى الهَم الأوّل الناس تأمين الأكل والشرب".