المصدر: النهار 
الكاتب: محمد قواص 
الخميس 30 تشرين الأول 2025 07:48:24
تتحدث الأنباء عادة عن وجود جهود لإقناع "حزب الله" بضرورة تسليم السلاح كمدخل أساسي لقيام دولة في لبنان تمتلك حصريته الكاملة، وكمدخل ضروري لتعاطي الأطراف المانحة والمستثمرة مع البلد. وما برحت وفود المبعوثين، الأميركيين خاصة، تركّز على هذا المطلب، معتبرة إياه أولياً، وشرطاً سابقاً، قبل أي بحث في انسحاب إسرائيل من النقاط التي تحتلها في جنوب لبنان ووقف اعتداءاتها على البلد.
بالمقابل، لم يبد الحزب أية أعراض تشي بأنه يصغي إلى مطالب الموفدين أو يستجيب لمنطق داخلي تعبّر عنه رئاستا الجمهورية والحكومة، وإن بصيغ مختلفة بشأن قضية السلاح. حتى إن في خطب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم ما يُظهر أن لا تسليم للسلاح حتى لو انسحبت إسرائيل وأوقفت اعتداءاتها. وكل ما قدمه الحزب من مرونة، هو قبوله النقاش للاهتداء إلى الاستراتيجية الدفاعية الشهيرة.
وما لم يعد غامضاً أن الحزب لا يمتلك أي هامش محلي لتقرير مصير سلاحه، وأن الأمر هو قرار استراتيجي بيد الجمهورية الإسلامية ومرشدها في إيران. وحتى حين يخيّل للبعض غير ذلك، فإن طهران نفسها تتبرع بإطلاق "صليات" من المواقف والتصريحات المدافعة عن بقاء ذلك السلاح وتحريم تسليمه لما فيه "مصلحة للبنان وشعبه". ولئن تطرق العواصم أبواب بيروت لـ"الالتحاق بركب التحوّلات" والذهاب إلى التفاوض، فإن بيروت لا تملك وصلاً مع طهران، حتى لا نقول مونة، تبيح لحزبها التأقلم مع ما هو تحوّل وتغير في قواعد اللعبة.
والحال فإن زيارة رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد إلى بيروت بعد أيام على لقاء جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تستدرج مقاربة قد تكون من نوع جديد. فالرجل لعب أدواراً لافتة للوصول إلى اتفاق غزّة، من أهمها الوصل مع حركة "حماس". ولئن قد تنقل مصر خبرتها الغزّية إلى الحالة اللبنانية، فإنها تخاطب من خلال بيروت "حزب الله" الذي لم يُسجل له اعتراض على وساطة القاهرة مع حليفه غزّة ودورها في إنتاج اتفاق حظي بتأييده.
قد تكون الآلية المصرية تمتلك سجلاً في تجربة غزّة لا يستفزّ الحزب في لبنان ولا تتوجس منه إيران من ورائه. فلطالما كان خطاب القاهرة حريصاً في القطاع على مقاربة تبقي الباب موارباً بشأن مبدأ وكيفية تسليم سلاح الحركة ومستقبلها السياسي، حتى إن القاهرة حريصة على دور فلسطيني كامل يكون أصلاً لا فرعاً في أي آليات أجنبية، سواء مثل "مجلس السلم" أو قوات حفظ الاستقرار متعددة الجنسيات.
تستند القاهرة إلى تحسّن طرأ على علاقتها مع طهران إلى درجة أنها مرشحة إلى جانب عواصم معنيّة أخرى مثل مسقط والدوحة للعب دور وساطة تعيد مدّ طاولة مفاوضات إيرانية - أميركية. تعوّل مصر على ما تبديه إيران من حرص على بناء علاقة جديدة مع مصر تطوي من خلالها عقوداً من الجفاء والقطيعة بين البلدين. ولئن أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في قمّة شرم الشيخ بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي وثمّن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف دور مصر ودور رئيس مخابراتها بالذات لإنتاج اتفاق غزّة، فإن رجل القاهرة الزائر في بيروت يمتلك أوراق قوة ومفاتيح فاعلة لافتة.
قد تكون مصر أكثر الدول المؤهلة لاستدراج إيران للإدلاء بدلو آخر لتليين موقف حزبها الذي لا يملك قراره في مسألة تعتبرها طهران استراتيجية ولصيقة بمصالح إيران. والأصل أن موقف طهران كان يهدف، على منوال ما كان اقترحه رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، إلى أن تكون إيران حاضرة وشريكاً مقرراً في أي حديث بشأن مسائل السلاح وقضايا السلم والحرب في لبنان.
ولئن لا يبدو أن اللجنة الخماسية المعنية بشؤون لبنان ستصبح سداسية تقبل إيران عضواً جديداً، إلا أن مبادرة مصر الغامضة تلوّح بمقايضات لن تكون إيران بعيدة عنها. ولئن تزامنت زيارة موفد القاهرة مع زيارة موفدة واشنطن مورغان أورتاغوس، فإن الصدفة قد لا تكون صدفة، وفيها رسائل تفسّر إعراض مورغان عن أي كلام مستفزّ يعطّل مهمة الضيف المصري.