المصدر: النهار
السبت 1 آب 2020 18:46:08
كتب "فرج عبجي" في "النهار":
مَن أفضل من رفيقات دربها في الحرب وفي السلم كي يتحدثن عن المناضلة جوسلين خويري، أيقونة المقاومة اللبنانية في وجه الوجود الفلسطيني والاحتلال السوري. لم تصنع خويري المعجزات، لكنها لم تكن شخصية عابرة. فتاة كسروانية، تربّت على حب الله والوطن والعائلة منذ طفولتها، فقدمت أجمل سنيِّ عمرها للأقانيم الثلاثة، ولم تندم على أي عمل قامت به. يخيم عليك شعور من الغبطة والشوق لمعرفة هذه الإنسانة المؤمنة، المناضلة الشرسة والبطلة، والإمرأة الحرة، عندما يتحدثون عنها وعن بطولاتها ورسالتها الإيمانية والإنسانية في خدمة الآخرين. صحيح أنها رحلت، لكن معركتها على الأرض ستكملها من مكان أقوى وبزخم أكبر.
"كانت تصيبها وتختار أفضل المقاتلات"
جاكلين سعد، نظامية من فريق جوسلين، من المقاتلات النخبة اللواتي كانت تختارهن خلال جولات التعبئة التي كانت تقوم بها لاختيار أفضل الفتيات للقتال والدفاع عن الوطن، وكانت "دوماً تصيبها وتختار أفضل المقاتلات"، وتخبر سعد "النهار" أنها تعرفت إليها في أحد الاجتماعات المناطقية، وتوطدت العلاقة بعدما التقتها في اليوم الذي عادت فيه من الأسواق بعد الهجوم الشهير الذي خاضته لست ساعات مع رفيقاتها في وجه 300 مسلح فلسطيني. وتقول: "التقيتها في اليوم الثاني من الهجوم الشهير، عادت إلى كسروان كي تبحث عن بديلات للمقاتلات اللواتي خضن القتال الصعب، لا شيء يدل على أنها آتية من معركة شرسة، ابتسامتها حاضرة، أخبرتنا بالتفاصيل عن القتال، وكأنها كانت تشاهد الحدث، شعرنا للحظة أنها آتية من وظيفة عادية وستعود إليها بعد حين، لا خوف ولا تردد، طلبتُ منها المشاركة في القتال فرفضت، وحزنتُ جداً".
تحبس جاكلين أنفاسها لتصف روح القيادة التي كانت تغمرهم بها جوسلين خلال المعارك، والحكمة التي كانت تعتمدها في إدارة الدفاع والهجوم. وتخبر: "حضورها وقيادتها لنا كانت تعطينا طمأنينة وقوة وصلابة، وكانت تخاف جداً على كل فتاة، لم تعبّر يوماً عن خوفها، ولم تظهره للحظة أمامنا حتى في عيونها وهذا كان يعطينا دفعاً قوياً في القتال ببسالة، ولم تنقل أي فتاة إلى الجبهة إذا لم تكن مقتنعة بقدراتها على القتال والمواجهة".
وبعد معركتها الشهيرة في الأسواق مع رفيقاتها، رفض قائد القوات اللبنانية آنذاك الشيخ بشير الجميّل أن يشاركن على الخطوط الأمامية في أي معركة. وتقول جاكلين: "خلال معركة زحله صعدنا إلى عيون السيمان للمشاركة في المعركة لكن الشيخ بشير رفض أن نكون في الصفوف الأمامية وقال لها: "لن أقبل أن أخسر أي مقاتلة منكن، خسارة واحدة منكن بمثابة خسارة مئة شاب"، حزنت لأنها لم تشارك في معركة زحله وبقينا في عيون السيمان واستلمنا الإمدادات على الخطوط الأمامية".
استشهاد بشير... وحرب الأخوة
لحظات حاسمة عدة أحزنت هذه الأيقونة المسيحية المقاومة، في طليعتها استشهاد "الباش" وحرب الانتفاضات في الشارع المسيحي. وتقول جاكلين: "آلمها كثيراً استشهاد بشير، لكن كان همها الأكبر من سيكمل المسيرة ويبحر بالسفينة إلى بر الأمان. ومن الأمور التي أحزنتها جداً، الانتفاضات الداخلية في القوات، وكانت تقول: "أنا حاربت معهم جميعاً ولا أستطيع أن أفرق بينهم"، وهذا ما دفعنا كنظاميات إلى الاستقالة والابتعاد عن المتراس والميدان حقناً للدماء، أحزنها جداً القتال المسيحي – المسيحي الذي أضعفنا جميعاً واعتبرته نقطة سوداء في تاريخنا المسيحي".
ومن خبريات الميدان، تقول جاكلين: "في إحدى المرات وخلال قيام جوسلين بدوريتها اليومية برفقة مقاتلتين تسيران خلفها لحمايتها، سمعت فجأة حركة على مسافة من المتراس، فتوقفت وجهزت سلاحها لإطلاق النار، وإذ بها تسمع صوت طفل يبكي، فتوقفت عن التقدم وطلبت من المقاتلات الانسحاب، منعاً من حصول الاشتباك ويؤدي ذلك إلى موت الطفل".
لم تندم يوماً على حمل السلاح
رغم انخراطها في العمل الإيماني المسيحي المتجرد، لم تندم جوسلين يوماً على حملها السلاح والقتال من أجل بقاء ناسها وحمايتهم. وتشرح جاكلين: "لم تندم على القتال وحمل السلاح في وجه المحتل الذي كان يريد سرقة أرضنا وقتل شعبنا، وتعتبر أن القتال كان في سبيل الدفاع عن النفس، وأن المقاومة كانت ضرورية للحفاظ على الوطن للجميع وليس للمسيحيين فقط".
رحلت جاندارك المقاومة المسيحية ولم يتحقق حلمها الذي جاهدت من أجله. وتقول جاكلين: "حلمها كان أن يتحسن الوضع في لبنان اقتصادياً ومالياً، وأن يصمد التعايش بين جميع أطيافه الذي تعتبره أولوية، وظلت حتى اللحظة الأخيرة طموحة ومؤمنة بإكمال رسالتها رغم الوجع والمرض اللذين أنهكا جسدها، وحلمها الأحب إلى قلبها هي المرأة اللبنانية، التي كانت تعمل من أجل الحفاظ عليها كي تبقى مناضلة ومكافحة وأن لا تستسلم وتهتم بالقشور".