ماذا يرتّب على "الحزب" تأكيدُه أنه "استعاد عافيته"؟

في إطلالته الأخيرة حرص الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم على أن تكون المادة الأساسية الصلبة في خطابه، التأكيد أن الحزب "تعافى جهادياً".

 بطبيعة الحال، ليست المرة الأولى التي يطلق فيها قاسم هذه اللازمة، فهي حاضرة دوماً في إطلالاته التي تلت تسميته في مركزه الحالي.

وحيال ذلك الإصرار فإن السؤال المطروح: لماذا يبدو الحزب مصرّاً دوماً على البقاء في مربّع هذا الكلام، ويرفض مغادرته؟ وهل الحزب نجح فعلياً في ترميم قواه العسكرية في هذا الوقت القياسي على نحو يبيح للشيخ قاسم أن يعلن تعافي الحزب عسكرياً وهو لم يمض أكثرعشرة أشهر على مشاركته في مواجهات ضارية غير متكافئة خرج منها باعترافه مثخناً بالجراحات؟

ثمة اعتبارات أساسية تدخل في صلب عقيدة النشأة والمسار لدى الحزب تملي عليه تظهير الوجه المقاوم، المالك للقدرة على منازلة إسرائيل ميدانياً.

وبمعنى آخر، أقنع الحزب نفسه أولاً وبيئته ثانياً بأنه نذر نفسه لهذه المهمّة وإنفاذ هذا الدور حصراً، إلى درجة أنه أصبح "أسير" هذا الشعار، وبالتالي "أعجز" نفسه عن أداء أي دور آخر خارج إطار هذا الدور أو على الأقل أشاح بنظره عن التفكير في أية أدوار أخرى يمكنه أن يؤديها ذات يوم خصوصاً بعدما حقق شعبية واسعة.

والمعلوم في هذا السياق أن الحزب "تباهى" دوماً، بلسان كل قيادييه وفي مقدمهم القائد الرمز السيد حسن نصرالله، بأنه رفض حتى النظر في عروض مغرية قُدّمت له سراً وعلانية من أجل أن يتخلى عن بندقيته وينطلق في رحلة سياسية تؤمن له الصدارة المضمونة، وتكفيه مؤونة "الجهاد الشاق المكلف".

وبناءً على كل هذه الاعتبارات كان الحزب مضطراً في الفترة التي أعقبت سريان اتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني الماضي أن يقنع نفسه أولاً وبيئته المثقلة بالأوجاع من آثار ضربات متتالية ثانياً بأن بمقدوره ترميم قواه ونفض آثار الهزيمة عنه.

وفي الموازاة كان على الحزب أن يقدّم أدلة عملانية توحي بأنه ما برح يحتفظ بترسانة صاروخية يمكنه استخدامها غبّ الطلب وبأنه يملك فرصة لاستعادة قسم ممّا فقده من سلاح وأعتدة خصوصاً إبان حرب الـ66 يوماً.

وبذا كان الحزب مضطراً إلى إثبات أمر أساسي وهو أن سقوط نظامه الحليف في دمشق لن يقطع "حبل السرة" الذي كان يغذيه بالسلاح الإيراني عبر سوريا، لذا لم يكن الحزب يهتم بالرد على البيانات السورية التي كانت تتحدث عن مصادرة كمّيات من الأسلحة كانت في طريقها إلى لبنان.

يقرّ الحزب بأنه فقد في حربه مع إسرائيل نحو 80 بالمئة من قياداته العسكرية الخبيرة والمحترفة وأنه فقد أكثر من 50 بالمئة من مقاتليه الميدانيين، إلا أنه كان مطلوباً أن يثبت بأشكال شتى أنه ما زال يملك الإرادة والتصميم على تكرار تجربة ما بعد توقف حرب تموز عام 2006، وصدور القرار الأممي الرقم 1701، إذ إن تلك التجربة أباحت له في غضون وقت قياسي أن يضاعف قوته العسكرية وأن يبني قوة قتالية بمواصفات "جيش نظامي".

لذا لم يكن الحزب مستاءً وهو يستمع إلى تصريحات القادة الإسرائيليين وهم يطلقون خطاباً فحواه أن الحزب ساعٍ بقوة إلى إعادة ترميم قوته العسكرية وأنه حقق نجاحات في ذلك، لكنه وهو يرصد هذا الوضع ماضٍ قدماً في كل ما من شأنه منع عودة الحزب إلى ما كان عليه عشية حرب الإسناد.

واللافت أن الحزب يؤكد عبر كلام قاسم الكلام الإسرائيلي رغم علمه بأن إسرائيل تتذرّع بمقولة إعادة الترميم لكي تمتنع عن الالتزام بمندرجات اتفاق وقف النار وتستمر في احتلالها لأجزاء من أرض الجنوب.

فضلاً عن ذلك فإن كلام قاسم يرتب على الحزب أعباءً إضافية كبيرة، إذ سيأتي يومٌ يُسأل فيه: إن كنت استعدت عافيتك العسكرية فمتى سترد على الاعتداءات والإغارات الإسرائيلية غير المنقطعة على الجنوب والبقاع، والتي تستهدف كوادرك العسكرية؟