المصدر: النهار
الكاتب: ابراهيم بيرم
الثلاثاء 17 أيلول 2024 08:05:44
أعاد إعلان حركة "حماس" قبل أيام، عن تنفيذ إحدى مجموعاتها عملية قصف بالصواريخ من الجنوب اللبناني في اتجاه قاعدة "ماعر" في الجليل الأعلى الغربي، تسليط الأضواء على دور قوى وجهات غير "حزب الله" في المواجهات التي تدور على جبهة لبنان مع إسرائيل، وأبعاد هذا الدور في تقديم الغطاء اللازم للحزب نفسه.
اللافت أن "حماس" كانت قد أعلنت تنفيذ هذه العملية الجديدة، بعدما صرّحت على لسان أكثر من قيادي فيها قبل أكثر من ثلاثة أشهر بما "يشبه" الخروج من جبهة الجنوب الساخنة، لأنها ليست في وارد تكرار تجربة طويلة من الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان الذي امتد منذ اتفاق القاهرة في عام 1969 إلى عام الاجتياح الإسرائيلي الواسع للأراضي اللبنانية في صيف عام 1982، الذي انتهى نهاية درامية تجسّدت بانسحاب الجسم العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية من لبنان. والمعلوم أن كشف "حماس" عن توجّهها القاضي بترك الساحة الجنوبية لأصحابها (الحزب) أتى بعدما أعلنت مراراً أن مقاتليها نفّذوا سلسلة عمليات وهجمات من الأراضي اللبنانية في اتجاه منطقة الجليل الأعلى. كما أن الحركة كرّرت محاولاتها رغم أنها لم تسِر وفق ما تشتهيهه أو حسب ما خططت له. والمعلوم أيضاً أن الإسرائيليين سرعان ما تنبّهوا لهذا الخطر عليهم الذي يشكله تنامي قوة فلسطينية مقاتلة على حدودها الشمالية، خصوصاً أن لهذه القوة بيئات حاضنة ورافدة في مخيمات اللاجئين وفي بؤر أخرى متعاطفة، فشرعت على الفور في عمليات ملاحقة لكوادر هذا التنظيم ومقاتليه بالمسيّرات ونفّذت عمليات اغتيال لهم على غرار ما فعلته وتفعله مع مقاتلي الحزب وقادته، فكان أن دفعت الحركة ما يقرب من 30 من مقاتليها وكوادرها.
والجدير ذكره أن "حماس" ليست التنظيم الفلسطيني الوحيد في الميدان الذي يحتكر الحزب عملية الإشراف عليه، إذ حذا حذوها عناصر من حركة "الجهاد الإسلامي" كانت لهم أول تجربة مواجهة عندما دخلت مجموعة من مقاتلي الحركة إلى موقع إسرائيلي حصين يقع قبالة بلدة الضهيرة الحدودية في قضاء صور متجاوزين كل الإجراءات العسكرية الإسرائيلية، واشتبكوا مع حامية الموقع، فنجحوا في قتل ضابط إسرائيلي رفيع قبل أن ينسحبوا عائدين إلى قاعدة انطلاقهم مخلّفين وراءهم عنصرين سقطا.
وليس خافياً أن الظل الفلسطيني غاب عن المسرح الجنوبي لأكثر من خمسة أشهر ما خلا بعض العمليات "التذكارية"، لذا كان إعلان "حماس" قبل أقل من أسبوع عن تنفيذ عملية قصف موقع "ماعر"، في هذا التوقيت بالذات بمثابة تطوّر يُبنى عليه انطلاقاً من أنه مقدمة وتمهيد لأمر أكبر.
فهو وفق معلومات توافرت أتى متزامناً مع إعلان الذراع العسكرية المقاتلة لـ"الجماعة الإسلامية" (قوات الفجر) تنفيذ عملية من موقع غير الموقع المعتاد لنشاطها وتحركها أي جبهة العرقوب.
وقبلها بفترة وجيزة كانت "السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال" تعلن أنها نفذت أيضاً عملية قصف لمواقع إسرائيلية. والجدير ذكره أن هذه السرايا هي الإطار العسكري الذي أطلقه الحزب في عام 1997 لتكون حاضناً لكل لبناني لا ينضوي في الحزب.
وفي الوقت عينه حفلت الأوساط الإعلامية بمعلومات مفصّلة جوهرها أن مجموعات من الألوية العسكرية التي تدور في الفلك الإيراني والتي حشدت في الساحة السورية طوال الأعوام الماضية واتخذت مواقع لها هناك، بدأت رحلة انتقال وهجرة إلى الساحة الجنوبية وعلى نحو تدريجي لتكون رأس جسر لعبور مجموعات أكبر لاحقاً.
وقد ذكر إعلاميون لبنانيون أن القادمين حديثاً إلى الميدان الجنوبي ينتمون إلى لواء "زينبيون" و"فاطميون " وهم خليط من باكستانيين وعراقيين وأفغان.
وبصرف النظر عن حقيقة رحلة انتقال حلفاء الحزب الخارجيين إلى الساحة الجنوبية ومدى صحّتها ومطابقتها للواقع، فإن الواضح أن الحزب لا يضيره إطلاقاً أن يظهر الميدان الجنوبي وقد صار قبلة ومقصداً لمجموعات من مشارب وأعراق شتى، لكن تجمعها مقاتلة إسرائيل ومواجهة هجماتها المحتملة على لبنان، وذلك لكي تنتفي سردية أن الحزب يحتكر هذه الجبهة الاستراتيجية ويتكفل بضبطها وفق حساباته الخاصة، ويهمّه في المقابل أن يظهر لمن يعنيهم الأمر أنه يقود معركة يسانده فيها كثر لتصير معركة "قومية بامتياز".
والمعلوم أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله كان قد أعلن في أكثر من إطلالة له أخيراً ضرورة أن يؤخذ في الاعتبار دور قوّة انضمّت حديثاً نسبياً إلى محور المقاومة، وهي في طور التنامي وهي قوة "أنصار الله" أي الحوثيون. وأكد مراراً أيضاً أنه في أي مواجهة مفتوحة سيساند الحزبَ مجموعات وشركاء آخرون سيعبرون الحدود.
وبصرف النظر عن القيمة العملانية لمثل هذه التطورات الميدانية واحتمال تأثيرها على مسار المواجهات مع قوة بحجم القوة الإسرائيلية، فالثابت أن الحزب يتعامل معها على أنها جزء من الرد على التهديدات الإسرائيلية باجتياح برّي للبنان.
وثمة في الحزب ومحيطه من يعتبر أن كل تلك التطورات وقائع مهمّة يقدّر الإسرائيلي قيمتها المادية والمعنوية إن لجهة قدرة الحزب على توسيع أمداء المعركة وإن لجهة التأكيد أنه ليس معزولاً، وأنه استطراداً ما انفك يملك أوراق قوة بإمكانه استغلالها.