المصدر: Kataeb.org
الكاتب: شادي هيلانة
الخميس 7 آب 2025 14:16:20
ما شهدته منطقة الشراونة في البقاع لم يكن عملية أمنية عابرة لتوقيف بعض المطلوبين. بل جاءت كرسالة حازمة، تُطلقها الدولة اللبنانية عبر ذراعها العسكري، في إطار قرار رسمي وُضع موضع التنفيذ، يقضي بوضع خطة شاملة لحصر السلاح غير الشرعي، وتقديمها إلى مجلس الوزراء قبل نهاية الشهر.
الجيش اللبناني لم يكتفِ هذه المرة بالإجراءات التقليدية، بل نفّذ العملية بدقة عالية، مستخدمًا طوافات ومسيرات وتقنيات مراقبة متقدمة. الرسالة كانت واضحة لكل من اعتبر نفسه خارج السيادة، أكان في البقاع أم في المخيمات، أو حتى في قلب الضاحية الجنوبية.
السياق أوضح من أي وقت: لا استثناءات بعد اليوم
الأهم في ما حدث، ليس فقط في طبيعة العملية، بل في توقيتها وتتابعها، بما يشير إلى قرار شامل لا يقتصر على منطقة أو فئة. من السلاح المنتشر في البقاع، إلى المخيمات الفلسطينية، إلى المربعات الحزبية المحصّنة، يبدو أن المؤسسة العسكرية تحرّكت بغطاء سياسي يسمح بالتوجّه نحو جذور المشكلة.
وفي هذا السياق تحديدًا، جاءت التطورات الأمنية في مخيم برج البراجنة، كإنذار إضافي لما قد تؤول إليه الأمور في حال لم يُضبط هذا السلاح بشكل حاسم.
مخيم برج البراجنة: اشتباك دموي يعيد فتح الجرح المزمن
المخيم الفلسطيني المكتظ في قلب الضاحية الجنوبية، شهد واحدة من أعنف الاشتباكات منذ سنوات، حيث استخدمت فيها رشاشات ثقيلة وقذائف من نوع “B7”، ما أسفر عن سقوط قتيلين وعدد من الجرحى، وخلق حالة من الذعر والرعب بين الأهالي، خصوصًا أن إطلاق النار استمر حتى ساعات الفجر، وترافق مع حركة نزوح داخلي وخلو الشوارع من المارة.
وبحسب معلومات ميدانية لموقع kataeb.org، فإن الاتصالات بدأت منذ ساعات الليل، في محاولة لاحتواء الاشتباك وإعادة الهدوء إلى شوارع المخيم، التي لا تزال حتى الآن تعيش على وقع الاستنفار الأمني، رغم إعلان الاتفاق على وقف إطلاق النار.
أسباب الاشتباك: عائلي... أم سياسي مقنّع؟
المصادر الفلسطينية التي تحدثت لموقع kataeb.org أشارت إلى أن الإشكال بدأ كحادث فردي بين شابين من عائلتي “القفّاس” و“الهابط”، لكن تطور سريعًا بسبب الخلفيات العائلية والحزبية.
ويُشار إلى أن الشاب المنتمي إلى عائلة "الهابط" له صلة بمهند الهابط، المسؤول عن جماعة تابعة لمحمد دحلان داخل المخيم، فيما الطرف الآخر، “القفّاس”، يتمتع بنفوذ مالي وعددي وسلاح وفير.
هنا وفق المصادر اياها، برزت فرضية أن طرفًا ثالثًا تعمّد إشعال المواجهة عبر إطلاق نار على الجهتين، في محاولة لإعادة تسليط الضوء على ملف السلاح الفلسطيني في الداخل اللبناني، خصوصًا في ظل تغييرات جرت مؤخرًا في السفارة الفلسطينية وبعض القوى الأمنية داخل المخيمات.
اجتماعات فلسطينية... لكن السلاح أقوى من التعهدات
عُقد اجتماع طارئ للفصائل الفلسطينية داخل المخيم، بحسب معلومات kataeb.org، وتم التوصل إلى اتفاق مبدئي يقضي بوقف إطلاق النار، وسحب المسلحين، وانتشار قوة أمنية مشتركة بمساندة الأمن الوطني الفلسطيني، إلى جانب تشكيل لجنة تحقيق.
ورغم هذا الاتفاق، ظلّ التوتر سيّد الموقف، في ظل استمرار إطلاق النار بين الحين والآخر، خصوصًا مع توارد أنباء عن سقوط قتيل من عائلة "القفّاس" وآخر سوري الجنسية في حال موت سريري، وهو ما يفتح الباب أمام تصعيد ثأري جديد، تتداخل فيه الحسابات العائلية مع الاصطفافات السياسية.
السلاح الفلسطيني... أزمة قديمة تُستغل من جديد
ليست هذه المرة الأولى التي يشهد فيها مخيم برج البراجنة اشتباكات مماثلة، إذ تتكرر الأحداث بوتيرة غير منتظمة، نتيجة صراعات بين الفصائل، أو خلافات ذات طابع عائلي، لكن ما يجمعها جميعًا هو توفر السلاح المتفلت، وتحكم بعض الجماعات غير المنضبطة بمفاتيح الأمن والشارع.
في ظل هذا المشهد، يتحوّل كل إشكال فردي إلى فتنة متنقلة، في بيئة مشبعة بالسلاح والتوترات السياسية، ما يعيد طرح السؤال نفسه، من يملك قرار السلم والحرب في هذه المخيمات؟ ومن يردع هذه المجموعات حين تتحوّل الشوارع إلى ساحات تصفية حسابات محلية أو خارجية؟
المعركة بدأت... فهل تمتلك الدولة جرأة استكمالها؟
إذا كانت عملية الشراونة تمثل فاتحة المعركة، فإن استمرار الفلتان الأمني في برج البراجنة يُظهر بوضوح حجم التحديات أمام الدولة. فحصر السلاح ليس مجرد خطة أمنية، بل مشروع سيادة شاملة، لا يكتمل إلا بإرادة سياسية حقيقية، ترفض المقايضة أو الخضوع لأي توازنات مفروضة.
كل يوم تأخير في حسم هذا الملف، يعني مزيدًا من الضحايا، ومزيدًا من "الدويلات" التي تتكاثر داخل جسد الدولة الواحدة. وما لم تتحوّل الرسائل الأمنية إلى سياسة دائمة، فإن السلاح سيبقى هو اللغة الوحيدة المفهومة في هذه المساحات الخارجة عن القانون.