ما بين التأكيد والنفي... اتصالات اللبنانيين في مهب الخروق الاسرائيلية!

كتبت سلوى بعلبكي في النهار:

"لا خرق لشبكة الاتصالات الرسمية من الجانب الإسرائيلي، والرسائل التي تلقّاها لبنانيون في مناطق عدة ما هي إلا عمليات تمويه واحتيال، تتم من تطبيقات إلكترونية ولا تحتاج إلى تقنيات عالية لاختراق الشبكة". هذا التأكيد جاء على لسان وزير الاتصالات جوني القرم ليطمئن اللبنانيين إلى أن شبكة الاتصالات اللبنانية غير مخترقة. لكن الخروق الإسرائيلية المتتالية لشبكة الاتصالات اللبنانية، فتحت الحديث عن أهلية أمن الشبكات السيبرانية في لبنان عموما، وهيئة "أوجيرو" خصوصا، المولجة إدارة شبكة الهاتف الثابت وقطاع الإنترنت، ومدى حصانة هذه الشبكات ومناعتها في مواجهة التوغل التقني الذي تمارسه إسرائيل، أو أي جهات أخرى تملك التقنيات والمصلحة في ذلك.

يعي الجميع مدى "الفقر" التقني والإمكانات التكنولوجية التي تمتلكها مؤسسات الدولة اللبنانية، مقارنة بـ"الغنى" التكنولوجي الذي تحوزه إسرائيل، ومؤسساتها الخاصة والعامة. فوفق هيئة الابتكار الإسرائيلية، يمثل قطاع التكنولوجيا 20% من الناتج الاقتصادي، و53% من إجمالي الصادرات، وكذلك هناك قرابة 9200 شركة تكنولوجيا يعمل فيها 400 ألف موظف، وفق "رويترز".

لا يقلل ذلك مطلقا من الإبداع اللبناني وتفوق الأجيال الجديدة الشابة في مختلف الميادين السيبرانية والرقمية، وأمن الاتصالات والمعلومات، بيد أن صانع الفرق هناك هو وجود الدولة، وعنايتها بالاستثمارين البشري والتقني، فيما شبان لبنان يبحثون عن دولة تؤويهم وتستقبلهم، وتستثمر في إبداعهم وقدراتهم.

إحدى الرسائل النضية التي وصلت على الهواتف.

خلَق الاختراق الإسرائيلي للشبكات الأرضية والخليوية، الخوف من تكرار "مجزرة البيجرز" بمشهدية مختلفة، وقضى على ثقة اللبنانيين كليا بأجهزة الأمان التي يفترض وجودها لحماية إتصالاتهم وخصوصياتهم وأمنهم الاجتماعي والاقتصادي.

ففي ظل وجود تقنيات اصطناعية ذكية بدأت بصناعة مستقبل المهمات والأدوار السيبرانية، في تحديد نتائج المعارك والحروب، يلجأ المسؤولون اللبنانيون إلى بقايا تقنيات بدائية موجودة لدى وزارة الاتصالات، وإعادة تفعيلها لإنقاذ الموقف، والإيحاء أن الدولة تقوم بواجب الصمود والحماية وديمومة الاتصالات.

قرم طمأن في بيانه إلى أن "وزارة الاتصالات تعمل على معالجة الأمر، وذلك من خلال الانتقال من استخدام نظام الـIP ims المعمول به حاليا إلى نظام الـTDM، ويعتبر أقل عرضة للخرق ويمكن ضبطه بطريقة أفضل".

لكن المدير العام السابق لهيئة "أوجيرو" الدكتور عبد المنعم يوسف يؤكد أن الحديث عن مدى فاعلية تقنية الـTDM وإمكان اعتمادها لضبط الخروق هو بمثابة "ضحك على اللبنانيين واستخفاف في عقولهم، ويمكن اعتبار هذا التدبير سطحيا وبدائيا وليس بجدي لمشكلة تتعلق بأمان المجتمع اللبناني". ويعرف يوسف الـTDM بأنها "تقنية لترميز الصوت وتحميله على وسائل نقل الاتصالات، ولا علاقة له بضبط الشبكات".

ووسط الحديث عن اختراق إسرائيلي لشبكة الاتصالات الأرضية في لبنان، نفى المدير العام لهيئة "أوجيرو" عماد كريدية أي اختراق للشبكة اللبنانية، شارحا ما جرى بالقول: "أستطيع القيام باتصال من رقم مزيف إلى رقم آخر من دون أن يُعتبر هذا العمل اختراقاً لشبكة الاتصالات، وهو ما يُعرف تقنياً باسم "clony.

وأكد كريديه أنّ "هذه العملية متاحة للجميع، إذ يمكن استخدام رقم أي شخص للاتصال برقم آخر، وهذا يُعَدّ تحايلاً على أنظمة الاتصالات".

وقال: "عندما يصلكم اتصال من فرنسا مثلاً، تمرره الشبكة باعتبار أنّه رمز متعارف عليه من دولة صديقة. وإذا كان العدو يستعمل رمز فرنسا للاتصال بلبنان فالشبكة ستُمرّره أيضاً. ولكن إذا استخدم رمز الشبكة الخاص بإسرائيل، فلن يمرّ اتصاله عبر الشبكة اللبنانية لأن الرمز محظور، لذا يلجأ إلى استعمال رموز الدول الصديقة".

وإذا كان المدير الحالي لـ"أوجيرو" يجزم بأن "لا خرق"، فإن المدير السابق يؤكد أنه حصل خرق للشبكة الثابتة للاتصالات، والدليل وصول رسائل على أجهزة اللبنانيين الخليوية، مضيفا: "لا يمكن الوصول إلى شبكتي "الفا" و"تاتش" دون اختراق الشبكة الأم العائدة إلى وزارة الاتصالات".

وينفي يوسف حصول أي احتيال على الرمز الدولي، موضحا أن "الرسائل لا يمكن أن تصل تقنيا إلا عبر رمز لبنان، وما نشهده حاليا من خرق هو نتيجة تراكم خروق إدارية عدة في هيكلية قطاع الهاتف العام، إذ تم تهديم هذا القطاع عبر إدخال شركات خاصة أجنبية ومحلية وتركيب أجهزة من دون أي احترازات أمنية أو اتباع أي منهجية إدارية ضمن صفقات مالية شخصية لبعض رجال الأعمال، خصوصا في بداية 2017."

وبحسب يوسف فإن "أبرز هذه الشركات هي "أكواتيك" المعروفة بأنها أميركية-إسرائيلية، من دون المرور بأي مسار قانوني ومن غير أن تنشئ أي مقر لها في لبنان، وحصلت على كل كلمات السر والمرور. وتاليا دخلت كل البرمجيات والمستندات التي تضمن كيفية تنظيم الشبكة الثابتة في لبنان. لذلك، يتحمل كل من يعلم بهذا العقد الذي سهل عمل هذه الشركة مسؤولية الخرق اليوم.

ويشير يوسف إلى أنه "يجب الإقلاع عن الظن أن ثمة اتصالات آمنة في لبنان، فالاختراقات أصبحت عديدة ولا يتخيلها عقل على المستوى التقني، وتاليا فإن شبكاتنا باتت مخروفة ومنها الإنترنت وشبكة الخليوي".

من جهته، انطلق الخبير في التحوّل الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم من تأكيد كريدية أن الشبكة في لبنان قديمة وتاليا من المستبعد خرقها، ليؤكد لـ"النهار" أن الشبكة منذ العام 2019 لم تلحظ أي تحديث أو صيانة أو استخدام لأنظمة الحماية من تقنيات حديثة تستخدمها إسرائيل. وذكر بما كان قد قاله كريدية سابقا من أن 95% من شبكة الاتصالات والإنترنت مخترقة، ليخلص إلى أن "الاختراق حاصل شئنا أم أبينا".