ما بين لبنان وسوريا فرص مقتنصة وأخرى مهدورة

بعد عام على سقوط نظام بشار الأسد وتولّي الرئيس أحمد الشرع قيادة سوريا، تخوض البلاد مع فريق عمله مساراً شاقاً يزخر بالتحديات الداخلية والخارجية، بهدف إعادة سوريا إلى خريطة المجتمع الدولي وفكّ عزلتها السياسية ورفع العقوبات الاقتصادية تمهيداً لإعادة إعمار الأقاليم والقرى التي دُمِّرت بالكامل، وبناء المؤسسات الأمنية والاجتماعية والسياسية، وصولاً إلى إعادة النازحين إلى مدنهم وقراهم بأمان.

لا شكّ في أنّ سوريا، خلال فترة قياسية، استطاعت تجاوز كثير من المحن، وسارت بخطى ثابتة نحو تحقيق الأهداف المذكورة. فقد شكّل القرار المركزي للرئيس الشرع، المتّسم بتناغم داخلي عالٍ ورؤية موحَّدة مع فريقه، محوراً أساسياً في هذا التقدّم. وكان الحضن العربي أول المرحّبين بعودة سوريا إلى موقعها الطبيعي، لتتوالى بعده خطوات الانفتاح الغربي بعد عقود من الإقفال الكامل في وجه النظام السابق.

وقد استعادت سوريا دعم الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، كما حظي الرئيس الشرع باستقبال لافت في البيت الأبيض، تُرجم لاحقاً بخطوة مفصلية تمثّلت في إلغاء قانون قيصر الذي فُرض لسنوات عقوبات مالية خانقة. وقد أقرّ مجلس النواب الأميركي إلغاءه لينتقل قريباً إلى مجلس الشيوخ، قبل توقيعه من الرئيس ترامب ليصبح نافذاً. هذه التطورات أظهرت بوضوح قدرة الرئيس الشرع على اقتناص الفرص لإعادة البناء والانفتاح واستعادة الحركة الاقتصادية والخروج من مستنقع الحرب الذي أنهك السوريين وشرَّدهم واستنزف الدولة ومؤسساتها.

ورغم استمرار فلول النظام السابق ومحور داعميه في محاولة تعطيل ما أُنجز، فإنّ التناغم الداخلي والدعم الخارجي يشكّلان عاملين حاسمين في إحباط محاولات التشويه وإفشال التجربة الجديدة.

وفي المقابل، بينما يبرع نظامٌ شقيق في استغلال الفرص للنهوض، يواصل فريق سياسي في لبنان تفويت الفرص والغرق في التعطيل ومقاومة أي محاولة جديّة لانتشال الدولة من أزماتها المالية والسياسية. فمع غياب التسليم بمنطق وهيبة الدولة، تبقى المساعدات معلّقة، وإعادة الإعمار مجمّدة، والعجلة الاقتصادية مشلولة، فيما تتحوّل البلاد إلى ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات وللقوى التي تسمح لنفسها باللعب بالنار، متجاهلة المصلحة اللبنانية العليا.
يقول الفيلسوف السياسي الإيطالي نيكولو مكيافيللي:

«تكون الفرصة محفوفة بالمخاطر، لكنها إن ضاعت فقد لا تعود».

وفي لبنان، تتكرر أمثلة الفرص التي أُتيحت ولم تُستثمر: من الإصلاح الاقتصادي إلى الكهرباء، ومن بناء دولة المؤسسات إلى الاستفادة من الدعم الدولي. وغالباً ما يُقدَّم تأجيل القرارات الصعبة أو حماية المصالح الضيقة على اتخاذ خطوات شجاعة، ما أدى إلى تراكم الأزمات وتفاقم الانهيار.

وبمعنى آخر، تنطبق مقولة مكيافيللي تماماً على الواقع اللبناني:

نعم، الإصلاح محفوف بالمخاطر، لكنه أقلّ كلفة بكثير من ثمن الفرص الضائعة.