المصدر: الديار
الكاتب: أميمة شمس الدين
الخميس 25 أيلول 2025 06:56:40
لا شك أن أكثر المتضررين من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بلبنان منذ العام ٢٠١٩ هم الموظفون والعمال سيما الذين أحيلوا على التقاعد وفقدوا قيمة تعويضات نهاية الخدمة بعدما أفنوا عمرهم في خدمة وطنهم وإدارتهم .
فمع الانهيار المتسارع للعملة، صُرفت هذه التعويضات بالليرة للعمال والموظّفين الخاضعين لقانون الضمان الاجتماعي الذين تقاعدوا بعد 17 تشرين الأول 2019، فحصلوا على مبالغ زهيدة لم تتجاوز 700 دولار، ما ترك تداعيات كارثيّة على المستوى الاجتماعي لعشرات الآلاف من الموظّفين.
يقدّر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الكلفة الإجمالية للتعويضات المستحقّة، لمن تركوا الخدمة بين 2019 و2024، بما يتراوح بين 700 مليون دولار ومليار دولار، على أن تُسدد مناصفة بين أصحاب العمل والضمان والدولة.
أما في مجلس النواب فاللجان تناقش اقتراح قانون بعنوان مقدم من النائب فيصل كرامة «التسوية العادلة لتعويضات نهاية الخدمة في الضمان الاجتماعي»،الذي «يأتي في اطار معالجة الاشكالية التي يعاني منها جميع المتقاعدين والموظفين المسجلين في صندوق الضمان الاجتماعي».
يتضمّن الاقتراح مادّتين مصحوب بهما لائحة بالأسباب الموجبة. في المادّة الأولى، التعديل المقترح للمادّة 51 من قانون الضمان الاجتماعيّ وفي المادّة الثانيّة تحديد تاريخ العمل بهذا التعديل فور النشر في الجريدة الرسميّة.
واللجنة الفنية في الضمان الإجتماعي أوردت بعض الملاحظات على هذا القانون
وشددت على ضرورة:
1- وجوب إقرار قانون استثنائي لإنصاف المتضررين الذين فقدت تعويضاتهم قيمتها الفعليّة بعد تحديدهم وتصنيفهم استناداً إلى معايير علميّة عادلة، واعتماد المؤشرات العلميّة الدقيقة لتحديد قيمة الضرر وتسديد هذه التعويضات الاستثنائيّة من صندوق خاص ينشأ لهذه الغاية.
2- عدم تعديل المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعيّ، خاصةّ أنّ هذه المادة قد تمّ تعديلها في قانون إنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعيّة ( قانون رقم 319 تاريخ 22/12/2023 المنشور في العدد 53 من الجريدة الرسمية تاريخ 28/12/2023) وإنّ إجراء أي تعديل آخر عليها قد يهدّد الاستدامة الماليّة لنظام التقاعد المستقبليّ.
3- تقترح اللجنة الفنيّة في حال إقرار أي قانون يدعم انخفاض القوّة الشرائيّة لتعويضات نهاية الخدمة للمضمونين أن يكون جزءاً من موازنة الدولة العامة على أن تُدفع هذه التعويضات مباشرةً من الخزينة وفقاً لأصول دفع النفقات العمومية كافة. ومع ذلك، يمكن للصندوق، بوجود مراقب ماليّ من وزارة الماليّة، أن يساهم في تحديد قيمة هذه التعويضات أو الفروقات.
يذكر ان المتقاعدين يُقسمون إلى فئتين:
الفئة الأولى من المتقاعدين في الفترة من 2019 لغاية نيسان 2024 والذين يبلغ عددهم حوالى 70 ألف شخص، أخذوا تعويضًا زهيدًا بعد أن فقدت الليرة 90 في المئة من قيمتها، وهم الفئة التي وافقت لجنة العمل والصحة والشؤون الاجتماعية سابقًا على منحهم 50 % من قيمة تعويضاتهم التي كان من المفترض أن يتقاضوها على سعر الصرف الحقيقي، وأحالت الملف إلى رئاسة المجلس النيابي. علمًا أن تمويل هذا المقترح لا يزال غير متفّق عليه. وكان اقتراح قانون لإعادة النظر بتعويضات نهاية الخدمة، يقضي بإعادة تكوين تعويض نهاية الخدمة للعمال الخاضعين لقانون العمل، في القطاع الخاص وفي المؤسسات العامة والمصالح المستقلة التي تخضع لقانون العمل، أو في المؤسسات العامة التي تخضع لقانون الضمان الاجتماعي، الذين تركوا العمل ابتداءً من تشرين الأول 2019 وذلك عبر مضاعفة هذا التعويض 30 مرة، باعتبار أن انهيار العملة بلغ 60 مرة (من 1500 ليرة إلى 90000 ليرة) وعليه يتم التعويض عن 50 في المئة من قيمة الانهيار. وأقرّته لجنة العمل والصحة معدّلًا على أن تتولى الدولة اللبنانية دفع 50 % فارق التعويضات، والهيئات الاقتصادية الجزء الآخر (50 في المئة).
أما الفئة الثانية من المضمونين والتي تتعلّق بمن لم يسحب تعويضاته ويمتدّ تاريخ خروجه من الخدمة لغاية نهاية العام 2023 والبالغ عددهم 450 ألف شخص، فإن الهيئات الاقتصادية كانت قد وافقت على اقتراح قانون ينصّ على إنصاف هؤلاء عبر احتساب قيمة راتبهم الشهري قبل العام 2019 على سعر صرف الـ 1500 ليرة مقابل الدولار، وخفضه إلى النصف (50 %)، أي أن الموظف الذي كان يتقاضى راتبًا قبل العام 2019 بقيمة مليون ونصف ليرة سيتم احتسابه على أنه كان يتقاضى 1000 دولار، وسيتم تخفيضه إلى 500 دولار وتحويله إلى الليرة على سعر الصرف الحالي.
في هذا الإطار يقول رئيس اللجنة الفنية في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الاستاذ مكرم غصوب في حديث للديار:
نحن أرسلنا رأينا في اللجنة فنية، بمشروع القانون المقدم من النائب فيصل كرامي، الى مجلس ادارة الضمان، الذي أقره وتبناه، ثم أرسله بدوره الى لجنة الصحة العامّة والعمل والشؤون الاجتماعيّة، مشيراً "قمنا بتحديد بعض الثغرات في هذا القانون، علما ان اسبابه الموجبة كانت محقة، إلّا أنّ في نصّه وجدنا ثُغرا على مستوى الشكل، القانون والتطبيق"
اضاف غصوب: كما اشرنا الى عدم إمكان تعديل المادة 51، لأنّها أساساَ معدّلة بموبجل القانون رقم 319 تاريخ 22/12/2023 المتعلّق بانشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية، لانه تم تعديلها مسبقا. كذلك هناك موضوع الفصل بين تعويضات ما قبل العام 2024 وما بعده، اي ان الاجراء الذين ما زالوا في الخدمة يزاولون اعمالهم سيخسرون الكثير من تعويضاتهم، "وهذا الامر مرفوض لأنّه يخالف مبادئ العدالة الاجتماعيّة".
وحول قيام الدولة بدفع جزء من التعويضات، ودفع اصحاب العمل الجزء الآخر، قال غصوب: ليس باستطاعة الضمان ان يسدد المبالغ ومن ثم يقوم بتحصيلها من الدولة من دون وضع إجراءات واضحة وصريحة، لان الاموال الموجودة هي اموال الناس وهي اموال إسمية، اي ان كل أجير له مبلغ في الضمان باسمه، وبالتالي نستطيع ستطيع دفعه لشخص آخر، ومنعه عن صاحبه. لا يمكننا ان نظلم اشخاصا آخرين، كما ظلم غيرهم بسبب الأزمة.
ويشرح غصوب: إقترحنا ايجاد حل استثنائي للوضع الاستثنائي من خلال انشاء صندوق خاص تدفع من خلاله التعويضات التي تحتسب بناء على معايير علميّة تحدّد قيمة الضرر الحقيقية والفئات المتضررّة فيساهم الضمان في عملية احتساب هذه التعويضات، ويقوم اصحاب العمل والدولة بدفع الفروقات من خلال هذا الصندوق، مشيراً أنه في الاقتراح الموجود لدى لجنة المال لا يوجد فصل زمني لتعويضات الأجراء الحاليين، وهذا أمر جيد.
وأمل غصوب ان يكون هناك حل قريب للموضوع لأن هؤلاء الناس تعرضوا للظلم، وهم يدفعون ثمن الانهيار المالي الذي حصل في البلد، وخصوصا ان تعويضاتهم ذهبت ادراج الرياح، مؤكداً أنه عندما يتم وضع المصلحة العامة كأولوية، فالحل يأتي بسرعة، "وهذا الحل يتمثل بإنشاء الصندوق، وهو الأنسب، حيث من خلاله يمكن احتساب الضرر الحقيقي الذي تعرض له كل أجير، وعلى الأقل تعويضه جزءا من هذه الخسارة. فمن ترك عمله في العام 2019 عندما كان سعر صرف الدولار 2000 ليرة، ليس كمن تركه في العام 2022 عندما اصبح 90 الفا، حيث الخسارة اكبر بكثير".
و إذ لفت غصوب إلى أنه عندما "نجري الدراسة العلمية الحقيقية، يتبين لنا القيمة الحقيقية للتعويضات، إلا أننا حتى الآن لم نكلف بهذه الدراسة"، أشار إلى أن القانون الذي يتم بحثه في لجنة المال، يعمل على معالجة وضع الأجراء الذين سحبوا تعويضاتهم، او استحقت ، ما بين العامين 2019 - 2024، أي اولئك الذين اصابتهم الازمة في الصميم.
واكد غصوب في الختام على أن الضمان لم يتلكأ أبداً في موضوع تعويضات نهاية الخدمة ، بل أن اللجنة الفنية قدمت رأيها وأرسلته الى اللجان، والتعويضات لا تزال تحتسب على الآلية المتبعة بناء على المواد 50 إلى 54 من قانون الضمان الاجتماعي أي على الراتب الأخير، مؤكداً أن اللجنة الفنية على جهوزية تامة لابتكار حل موضوعي، يراعي العدالة بشكل تام حين تكلّف ذلك.