مجلس الوزراء يمدّد لـ"ليبان بوست": أهون الشرّين!

3 خيارات كانت موضوعة على طاولة مجلس الوزراء أمس في موضوع البريد، أحلاها مرّ، الى أن قررت الحكومة اختيار قرار تمديد عمل "ليبان بوست" وتكليفها الاستمرار بتشغيل المرفق الى حين إجراء مزايدة رابعة كُلف وزير الاتصالات إجراءها وفقاً للأصول، فيما غاب القرار الثالث المتعلق بإنشاء شركة مساهمة لبنانية لتشغيل القطاع على غرار شركتي الخلوي، إذ استُبعد هذا الخيار الذي كان مجلس الوزراء قد كلف وزير الاتصالات إعداد دراسة عنه في القرار الرقم 31 تاريخ 18 نيسان 2023.

فما بين القبول بالمزايدة المتنازع عليها والارتباكات القانونية التي شابت إقرارها، والاتهامات حول ابتعادها عن قاعدة التنافسية المفروضة لشفافية المزايدات فضلت الحكومة إبعاد كأس تبنّيها نتائج مزايدة ظهر حولها الكثير من "القال والقيل" واتجه مباشرة نحو إعادة تصويب قانونية التلزيم ووجهته، وإعادته الى نقطة البداية القانونية لانطلاقها.

والى محاذرتها تبنّي العرض الفائز، ذهبت الحكومة بقرارها إظهار نفسها بمظهر الحريص على عدم كسر قرارات وتعليلات الهيئات الرقابية وتبني ملاحظاتها واحترام مندرجات قرارتها وتأكيدها من خلال موقفها هذا حرصها والتزامها عمل المؤسسات العامة واحترام دورها. وإن كان الشيء بالشيء يذكر، فالحكومة أمام اختبار ثانٍ قريباً، إذ ينتظرها قرار مشابه لقرار إلغاء مزايدة البريد، وهو قرار هيئة الشراء العام إلغاء المناقصة العمومية لشراء كمية من مادة الغاز أويل، وكمية من مادة وقود الديزل، تلبية لحاجات مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الاتصالات، وطلبها إعادة إجراء المناقصة وفق الأصول القانونية والتنافسية، إذ سلم وزير الطاقة وليد فياض الى رئيس الحكومة مهمة إجراء المقتضى وتحمّل الحكومة مسؤولية ما سيترتب عن القرار من زيادة كبيرة في ساعات التقنين وعرقلة خطة النهوض بالكهرباء التي أثبتت حتى الآن نجاحاً نسبياً ورضى شعبياً. فهل يفعلها مجلس الوزراء ويكرر تجرع كأس القانون أم تعود حليمة التسويات، تحت مسمّى المصلحة العامة الضرورية والمؤقتة، الى عاداتها القديمة؟

فبعد فشل وزارة الاتصالات في إجراء مناقصة لتلزيم شركة جديدة لإدارة قطاع البريد، وبعد سنوات على انتهاء صلاحية عقد شركة "ليبان بوست"، قرر مجلس الوزراء التمديد للشركة التي تحتكر القطاع مقابل إيرادات مالية زهيدة لصالح الخزينة العامة، إلى حين إجراء مزايدة رابعة وتسلم شركة جديدة لتأمين الخدمات البريدية وهو كان الخيار الأول الذي وضعه وزير الاتصالات في تقريره الذي سلمه الى مجلس الوزراء "تمديد العقد لشركة "ليبان بوست" من 1/6/2023 لغاية توقيع العقد مع مشغّل جديد وتكليف وزارة الاتصالات تعديل جداول أسعار الخدمات البريدية الواقعية وذلك الى حين إطلاق المزايدة الرابعة وتسليم الفائز".

وعقب انتهاء جلسة لمجلس الوزراء ترأسها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السرايا، أوضح وزير الاتصالات جوني القرم تداعيات القرار بالنسبة إلى المستقبل، وقال "قلت مرات عدة إني لا أرغب في التمديد لشركة ليبان بوست، لأن العقد الموجود حالياً مجحف بحق الدولة، وستكون له تداعيات غير جيدة على القطاع، ولكن يجب التكيّف معها".

واعتبر القرم أنه بذل كل جهده في هذا الخصوص خلال السنة ونصف السنة الماضية، وحاول التقدم بقرار رقم 386 حسب تقرير ديوان المحاسبة لتعديل عقد "ليبان بوست لكي يكون جيداً للدولة، ولكن مجلس الوزراء رفضه، فيما أجرينا 3 مزايدات، ولم نصل الى نتيجة".

ورداً على سؤال عن التقرير الذي وضعه قال: "قدمنا تقريراً سريعاً، أما التقرير الذي يطالب به ديوان المحاسبة فكانت كلفته عام 1997 نحو 4 ملايين دولار، ووضع بموجب مناقصة رست على "شركة داتش بوست" حينها. أما اليوم، ومن أجل القيام بدراسة جدوى، يجب تأمين المال وإطلاق مناقصة للشراء العام والقيام بدراسة. وهذه أمور يلزمها نحو ثمانية أشهر، ويجب بعدها تأمين المال والتلزيم من خلال الشراء العام لدفتر شروط جديد".

والمعلوم أنه سبق أن سقطت 3 محاولات على مدار أكثر من عام لتلزيم شركة خلفاً لشركة ليبان بوست. ففي شهر شباط الماضي جرت المزايدة الأولى ولم تتقدّم أي شركة. وبعدها بنحو شهر، فشلت المزايدة الثانية التي تقدم لها ائتلاف شركتي ميريت إنفست وColis Privé France المملوكتين من مجموعة CMA-CGM الفرنسية، إلا أن هيئة الشراء العام رفضت المزايدة نظراً لعدم مطابقة العقد مع دفتر الشروط وعدم تحقيقه التوازن المالي. أما المزايدة الثالثة فجرت في حزيران الماضي، تقدم لها الائتلاف نفسه، لكنها رفضت من الشراء العام وديوان المحاسبة، وتالياً استمر قطاع البريد بيد شركة ليبان بوست، التي مدّد لها مجلس الوزراء من دون إدخال أي تعديلات على العقد. وعلقت مصادر على قرار التمديد بالقول "القبول بالمزايدة لو حصل كان أمراً سيئاً جداً، أما قرار التمديد فهو أيضا سيئ، ولكنه أقل سوءاً من المضيّ بالمزايدة كما أرادها وزير الاتصالات".