محاضر مفاوضات الدوحة: إيجابيات فلسطينية وتنازلات إسرائيلية وتفاؤل أميركي

على مدى يومين تواصلت المفاوضات في العاصمة القطرية، الدوحة، للوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة. مسؤولون أميركيون بمستويات متعددة، بينهم بريت ماكغورك ووليم بيرنز، حضروا إلى قطر للمشاركة في المفاوضات، مع ضغط مكثف في سبيل وقف إطلاق النار وإنجاز الاتفاق.

برنامج واضح
نقاط كثيرة وتفاصيل تم الخوض بها، وهي بالتأكيد لا تزال تحتاج إلى وقت ومزيد من الجلسات. وهو ما جرى الاتفاق عليه في الجلسات. وحسب ما تشير مصادر متابعة، فإن هذه المفاوضات تبدو الأكثر جدية من أي وقت مضى. الولايات المتحدة الأميركية أكثر من يبدو متشدداً في الوصول إلى اتفاق، لأن واشنطن لا تريد أبداً استمرار الحرب ولا توسعها أو تطورها أو تحولها إلى حرب إقليمية.
ما جرى هو وضع برنامج واضح لاستكمال آلية التفاوض التفصيلية وإنجاز الاتفاق. وهذا له مجموعة أبواب، أولاً تعزيز التفاوض بين حركتي حماس وفتح. ثانياً، دخول الجيش الإسرائيلي على خطّ التفاوض المباشر للبحث في مصير محور فيلادلفيا. وثالثاً عقد جولة جديدة من المفاوضات بين الوسطاء خلال الأيام المقبلة. ويفترض أن تتم إحالة ما تم التوافق عليه إلى حركة حماس في غزة لتقديم الإجابات والملاحظات، لا سيما أن الحركة كانت سابقاً قد وافقت على مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن الذي تقدّم به في شهر حزيران الفائت. وبالتالي، ستتسلم حماس المقترحات وتقدم إجاباتها عليها.

النقاط العالقة
البيان الذي صدر في اختتام هذه الجولة، ينطوي على تفاؤل كبير ومتقّدم. وحسب المصادر، فإن الأميركيين هم الذين كانوا مصرّين ومتمسكين بإشاعة هذا التفاؤل، نظراً لإصرارهم على إنجاح المفاوضات. وحسب المصادر، فهناك ثلاث نقاط أساسية عالقة، إصرار إسرائيلي على السيطرة على معبر رفح والاستمرار بالسيطرة على محور فيلادلفيا، بالإضافة إلى الاستمرار بالوجود العسكري للجيش الإسرائيلي في معبر نتساريم، الذي يقسم القطاع إلى قسمين شمالي وجنوبي. ويصرّ الإسرائيليون في مقترحاتهم على البقاء هناك لتفتيش الفلسطينيين الذين يريدون الانتقال من الجنوب إلى الشمال. وهذه نقاط ترفضها حماس وأيضاً مصر.

كذلك جرى النقاش في مسألة المساعدات الغذائية وفتح المعابر لدخول هذه المساعدات، على أن يتم إدخال حوالى 600 طن من المساعدات الإنسانية يومياً. وهذا أمر تم الاتفاق عليه. على أن يتم تشكيل 3 مكاتب ارتباط لتنفيذ ومراقبة بروتوكول المساعدات المدنية.

مصير الأسرى
في المفاوضات حول الأسرى، فإن الضغط الأميركي على الإسرائيليين وتمسك حماس بمطالبها، دفع الإسرائيليين إلى تقديم تنازل، وهو تخفيض عدد الأسرى الفلسطينيين الذين تضع إسرائيل فيتو على إطلاق سراحهم من 100 إلى 65، على أن يكون النقاش في الأسماء والاتفاق عليها في المرحلة المقبلة، مع الإشارة إلى أن حماس لا تزال تتمسك بإطلاق سراح الأسير مروان البرغوتي.
كما يحاول الإسرائيليون تمرير نقطة في هذا المجال، وهو أن يفرضوا على عدد من الأسرى أن يطلق سراحهم إلى خارج الأراضي الفلسطينية، علماً أن ذلك أمر غير مقبول بالنسبة إلى حماس وكل الفلسطينيين.  

مشاركة الجيش ومشكلة المعابر
الجديد في ما أسست له هذه الجولة التفاوضية هو أن الجيش الإسرائيلي سيشارك في المفاوضات للمرة الأولى، وذلك في القاهرة في الأيام المقبلة، للبحث في مسألة محور فيلادلفيا، خصوصاً أن مصر لا تزال ترفض استمرار السيطرة الإسرائيلية على المحور. أما بما يخص معبر نتساريم، فإن الولايات المتحدة الأميركية تولت الضغط الأكبر على إسرائيل لمعالجة هذه النقطة، خصوصاً أن حماس والمقاومة الفلسطينية وكل الشعب في غزة يرفض أن يكون خاضعاً للتفتيش الإسرائيلي لدى المرور على المعبر من جنوب القطاع إلى شماله، وتعهد الأميركيون بحلّها من خلال الضغط على الإسرائيليين. وهذا أيضاً سيكون بانتظار المفاوضات بين الأميركيين والإسرائيليين. وحسب المعلومات، فإن حماس لن تتزحزح في موضوع معبر نتساريم ومحور فيلاديلفيا.

حماس وفتح
نقطة جديدة حققتها المفاوضات أيضاً، وهي مفاوضات بين حركتي حماس وفتح في القاهرة، وذلك للاتفاق على نقاط عديدة بما يخص الوضع في قطاع غزة، لا سيما المعابر وطريقة إدارة القطاع وكيفية تمرير المساعدات، ولإنتاج موقف فلسطيني جامع وموحد حول الإدارة الفلسطينية الكاملة والخالصة لقطاع غزة. وهذا يمكن أن يفهم منه بأنه أول خطوة على طريق البحث والتساؤل عن مرحلة اليوم التالي لما بعد الحرب.

إيران والحزب
لا شك أيضاً، أن تهديد إيران بتنفيذ ضربة على إسرائيل رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، بالإضافة إلى ردّ حزب الله على استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، أخذ قسطه الكبير في هذه المفاوضات، والتي ربما استخدمها الأميركيون للضغط أكثر على إسرائيل، خصوصاً أن أميركا ملزمة بالدفاع عنها في مواجهة الضربة الإيرانية وللتصدي للصواريخ. علماً أن كل الحشود العسكرية الأميركية التي وصلت إلى المنطقة هي حشود ردعية ودفاعية عن إسرائيل، وأميركا لا تريد الحرب مطلقاً، خصوصاً على أبواب الانتخابات. وعليه، فإن تأجيل المفاوضات للأسبوع المقبل، يرتبط بانتظار جواب حماس، والموقف الإسرائيلي النهائي، لأن هناك احتمالاً أن يبدّل نتنياهو من رأيه، أو يقدم على خطوات تطيح كل هذه الإيجابيات.

وكما هو حال انتظار الجميع لمسار المفاوضات، فإن الإيرانيين أيضاً ينتظرون مسار التفاوض، لأنهم وضعوا معادلة تجنّب الردّ على إسرائيل مقابل وقف النار في غزة. وبذلك تكون المنطقة قد كسبت المزيد من الوقت. وبحال تم الوصول إلى اتفاق لوقف النار، فيعني أنه لن يكون هناك ضربة إيرانية. أما بالنسبة إلى حزب الله فهو يشير إلى أنه محتفظ بحق الرد، ولكن يبقى له تحديد الهدف وتوقيته.
في هذا السياق وبعد الاتصال الذي جرى بين رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مع الرئيس الإيراني، للتشاور والتنسيق ووضعه في أجواء المفاوضات، فمن المحتمل أن تكون هناك زيارة لوزير الخارجية القطري إلى طهران في الأيام القليلة المقبلة لوضعها في الاجواء التفصيلية واستكمال التنسيق.

تختصر مصادر متابعة خلاصة الجولات بالقول إن الجو أفضل مما سبق، وهناك إصرار على تحقيق الإيجابيات، وفي اليومين المقبلين يمكن تتزايد التطورات على هذا الصعيد. ووفق المصادر، فإنها المرة الأولى منذ أشهر طويلة التي يتم فيها العمل بشكل جدي وفعال، وخصوصاً من قبل الأميركيين. وبالتالي، لا بد من انتظار مدى قدرتهم على التأثير والضغط على نتنياهو.