محلّلو "حزب الله": من تسويق الوهم إلى تبرير الهزيمة

لجأ «حزب الله» على مدى سنوات، إلى إبراز شخصيات عبر الإعلام بصفة «محلّلين» لترويج دعايته السياسية. وصار هؤلاء أداةً لتسويق بروباغندا «الحزب» وبيعه الأوهام لجمهوره وضخ إحساس بفائض من القوة في نفوسهم. وتحت مسمى تقديم «تحليل علمي» للأحداث، عمل هؤلاء على توجيه عقل المتلقي لقولبة أفكاره وتكرار الادعاءات المطلوب تعميمها بهدف ترسيخها في عقل الجمهور المضلّل. وهكذا، يصبح المتلقي بدوره مروجاً لهذه الادعاءات. وعلى الرغم من  استخدام التحليل كأداة للبروباغندا لم يكن صنيعة «حزب الله» ولا حكراً عليه، لكنّه في هذه الحالة شكل نموذجاً فاقعاً لبيع الأوهام وارتطام مستهلكيها بالواقع بشكل دموي قاس.

 «وعد» نصرالله و«انتصار»  قاسم
من «وعد» الأمين العام لـ «حزب الله» الراحل، حسن نصرالله، بـ»إزالة إسرائيل والصلاة في القدس قريباً»،  إلى اعتبار خليفته، الشيخ نعيم قاسم، «أن عدم إزالة إسرائيل لـ»حزب الله» هو الانتصار»، هو مشهد كاف لإظهار حجم الوهم الذي جرى بيعه عبر الشاشات. فهل يدفع  هذا الوهم «حزب الله» إلى  مراجعة التحليلات التي روّج لها؟

 يبدو أن «الحزب» نفسه صدّق هذه التحليلات لكثرة ما كررها حتى صار ضحية لها. وكانت النية الإمساك بالجمهور عبر تبديد مخاوفه وإشباع حاجاته النفسية وإشعاره بأنه ينتمي لمحور لا غالب له، فجاءت النتيجة خيبة وإحباطاً يحاول «حزب الله» تداركهما. ويذهب محلّلوه اليوم في اتجاه البحث في ظروف الهزيمة  وإعادة صوغها وتقديمها كـ»انتصار».

منذ انتهاء حرب تموز 2006 أعلن «حزب الله» ما اعتبره  «انتصاره التاريخي»،  وأنه بات في مرحلة جديدة لا يمكن هزيمته من بعدها. وكان دور المحللين الدائرين في فلك «الحزب» الترويج لخطابات نصرالله وإقناع الجماهير بقوة «الحزب الخارقة». فقدموا  القراءات  التي تحسم بأنّ «الحزب» أقام توازن رعب مع إسرائيل وبات قادراً لا على الردع فحسب وإنما على الهجوم ودخول الجليل.

فتح «حزب الله» ما أسماه جبهة إسناد غزة في الثامن من تشرين الاول (أكتوبر ) 2023. وانتشر على الجبهات الإعلامية محلّلوه ليبرروا الخطوة وتحدثوا بثقة عن فعاليتها. لكن  مع الأيام بدا واضحاً ضعف «حزب الله». وراحت تلوح في الأفق معالم الكارثة التي يعيشها لبنان اليوم. فتح هؤلاء المحللون  «جبهة إسناد» إعلامية تروّج لادعاء نجاح خطوات «حزب الله» . وتحدثوا عن خشية إسرائيل من حرب واسعة مع «الحزب». حكيَ عن مسيّرات «حزب الله» وقدرتها على إغراق إسرائيل بالصواريخ هازئة بالقبة الحديدية. صدق قسم من جمهور المشاهدين هذه النظريات وارتاحوا لها.

تسارعت الأحداث، اغتيل المسؤول  العسكري الأول في «حزب الله» فؤاد شكر في قلب الضاحية. وفور إعلان «الحزب» الثأر،  لم يتمهّل المحللون لمعرفة تفاصيل عملية الثأر، فاستبقوا خطاب نصرالله وأشاعوا أن العملية حققت أهدافها بدقة. حسموا ذلك من دون أية معطيات. ويومها خرج خطاب نصرالله نفسه بسقف  أدنى. وقال إنه ينتظر النتيجة ليبني عليها ويقرر ما إذا كانت عملية الثأر قد أدت الهدف منها. ثم أتت حادثة تفجير أجهزة البيجرز لتنذر بمرحلة جديدة. حاول محللوا الحزب مجدداً التسابق على تسخيف الحادثة كي لا يشعر الجمهور بضعف «حزب الله» ويعبر عن خشيته من الحرب.

المحلّلون والخوف من الحقيقة 
لقد خابت التحليلات، وتوالت الضربات الإسرائيلية القاسية وتوسعت الحرب. قتل نصرالله، ودمرت أحياء في مناطق مختلفة. لكن نهج هؤلاء لم يتغيّر على الرغم من اضطرارهم للتراجع «تكتيكياً». أحبط جمهور «حزب الله». وبدأ جزء منه بانتقاد هؤلاء المضللين. ومع ذلك، لم يتغيّر نهج وجوه البروباغندا الملتزمة بخطاب «الحزب». واليوم، وبعد الهزيمة، يحاول  هؤلاء  التخفيف من وطأتها على «حزب الله»، وتظهير الاتفاق على وقف إطلاق النار على أنه حقق شروط «الحزب». أما الحقيقة فليس من مصلحة هؤلاء قولها على العلن إذ ستدفع بالمتضررين من هذه الحرب للتجرؤ وقول ما في نفوسهم وما يقولونه في الحلقات الضيقة. عندها سيفقد «حزب الله» قدرته على ضبط جمهوره.