المصدر: المدن
الكاتب: بتول يزبك
الأربعاء 1 أيار 2024 12:55:10
يُصادف اليوم الأربعاء 1 أيار، اليوم العالميّ للعمّال. هذا اليوم الذي خُصص للاحتفاء بالعمّال حول العالم، واستذكارًا للإرث المطلبيّ والنضالات والمكاسب التاريخيّة للحراك النقابيّ الدؤوب والمستمر حتّى اللحظة، لانتزاع حقوق العامل البديهيّة، حتّى أكثرها تعقيدًا، من وطأة السّلطويّة والاستغلال الاقتصاديّ. وكذلك لتكريس دور العامل كعنصرٍ حيويّ في ديمومة المجتمعات والأنظمة والدول. وللمفارقة، يَحل هذا اليوم، على الحركة النقابيّة العماليّة في لبنان، ثقيلًا، مفعمًا بالنوستالجيا والحسرة، وشاهدًا حيًّا على نكبة العمّال في لبنان، وتحول المشاهدات الأولى لبوادر الانتظام النقابيّ في ظلّ الانتداب الفرنسيّ وازدهار النضال العماليّ مطلع القرن العشرين، الموسوم بالوعيّ الطبقيّ والتأثيرات اليساريّة، إلى أُفقٍ مسدود، وجماعاتٍ ومطالباتٍ وعناوين مُشرذمة لصالح الوطأة السّلطويّة نفسها الموغلة بالتعسف والتفقير المنهجيّ والإجحاف الموصول بحقّ العامل في لبنان، باختلاف مسمياته وخلفياته.
ولعلّ أبرز مثالٍ على هذا الاجحاف هو الذي لحق بموظفيّ وعمّال القطاع العام في لبنان، وتحديدًا الأسلاك العسكريّة والأمنيّة ، الّتي لم تُعامل قط بوصفها تضمّ عمالًا مأجورين لقاء خدماتهم، متساوين في الحقوق والواجبات مع باقي عمال القطاعين العام والخاص. واستمر عمّالها لعقود من غير نقاباتٍ تمثلهم، ولا حيزٍ من الحريّة لممارسة بديهيات حقوقهم السّياسيّة أو المطالبة بها، ومسحوقين تحت عجلة البيروقراطيّة والهرميّة. وبحقوقٍ مؤجلة لما بعد تقاعدهم، فيما يتمّ وصمهم بانتفاء الانتاجيّة والجدوى. كل ذلك تحت ذريعة "خدمة الوطن".
مذكرة ربط نزاع: لتسويّة التعويضات
وتفاعلًا مع هذا الواقع الحقوقيّ الرديء، انبثقت عدّة تجمعات لمتقاعدي هذه القوى المُسلّحة للدفع نحو تكريس حقوقهم وأدوراهم كعمّال بالمرتبة الأولى، وآخرها كان ظهور تجمع عماليّ يضمّ مئات من الضباط والعناصر والأفراد المتقاعدين من هذه الأسلاك باختلافها، تحت مُسمى "الجبهة القانونيّة للقوى المُسلّحة"، وغايتها رفع الغبن والاجحاف الواقع بحقّهم، بالقانون وبالنضال النقابيّ، بشكوى جماعيّة أمام مجلس شورى الدولة.
وعليه، تقدّم مكتب المحامي علي عباس، منذ عدّة أيام، بمذكرة ربط نزاع أمام مجلس الوزراء، تضمّ حوالى 300 من ضباط وعناصر متقاعدة من الجيش وقوى الأمن الداخليّ وأمن الدولة والضابطة الجمركيّة والأمن العام، خلال الفترة الممتدة بين عام 2019 ولغاية تاريخه، وشغل فئة المستدعي الرئيسيّ، المؤهل أوّل علي يزبك وزملاؤه. والموضوع هو تسويّة تعويضات ومعاشات تقاعد المستدعين بما يوازي القيمة الشرائيّة الحقيقيّة لمحسوماتهم التقاعديّة طوال فترة خدمتهم رفعًا للغبن والظلم والإجحاف بحقّهم وتطبيقًا لمبدأ المساواة أمام المرفق العام، بينهم وبين من تقاعد قبلهم، قبل انهيار القيمة الشرائيّة للعملة اللّبنانيّة والانهيار الماليّ – الاقتصاديّ الذي حصل، وبين من سيحال على التقاعد بعدهم بعد تسويّة الرواتب والتعويضات، أصولًا، كونهم دخلوا الخدمة في ظروفٍ وأوضاع وظيفيّة وقانونيّة مماثلة.
الأسباب الموجبة
ذلك بموجب أن الاتفاق الوظيفيّ بين المستدعين والدولة اللّبنانيّة الذي يستوجب موجبات متبادلة، منها قيام الدولة بحسم جزء من الراتب الشهريّ لكل من المستدعين كمحسومات تقاعديّة تعطيه الحقّ بعد إحالته على التقاعد للحصول على تعويض ومعاش تقاعديّ محسوب ومتوازن وفقًا للقوة الشرائيّة للمحسومات التقاعديّة، لتمكينه من العيش حياة كريمة بعد تقاعده، نظرًا لعدم قدرته على الإنتاج بعد أن قدم سنوات حياته الذهبية في خدمة الوطن. إلا أن ما حصل مع المستدعين هو تعرضهم لغبن كبير استتبع إنتفاء الجدوى من تعويضات ومعاشات تقاعدهم وذوبان قيمتها الشرائية. وبالتالي، إنتفاء التوازن المالي في القوة الشرائية بين المحسومات التقاعدية المدفوعة من المستدعين على مدى سنوات خدمتهم وبين تعويضات ومعاشات تقاعدهم التي أصبحت من دون قيمة. علماً أن تعريف الغبن قد ورد في قانون الموجبات والعقود لا سيما في المادة 213 منه التي نصت على ما حرفيته: "الغبن هو التفاوت وانتقاء التوازن بين الموجبات التي توضع المصلحة فريق، والموجبات التي تفرض على الفريق الآخر في العقود ذات عوض". حيث يكون من الثابت توفر الغبن الكبير وفقًا لمفهوم القانون العام في الموجبات المتبادلة بين المستدعين والدولة. وهو ما أدى إلى إلحاق الضرر الكبير بهم.
حملة مستمرة
وفي هذا السّياق يؤكد وكيل التجمع، المحامي علي عباس، أنّهم تقدموا بربط النزاع أمام مجلس الوزراء بوصفه صاحب الصلاحيّة في إعادة التوازن بما يخص معاشات التقاعد والتعويضات، وتمّ التقدم به أمام وزارة الماليّة باعتبار أن المتقاعدين باتت لديهم أرقام ماليّة وخاضعين بمعاشات التقاعد لهذه الوزارة. وسنذهب إلى مجلس شورى الدولة بعد نحو الشهرين، في حال لم تتجاوب أي من الجهتين، للطلب بالطعن بالرفض الضمنيّ. قائلًا:" الكلّ ينظر بعين التعاطف والشفقة تجاه هذه الطبقة الّتي استحالت مسحوقة، لكن اليوم الأولويّة هي تكريس حقوقهم، ويجب أن تكون أولويّة الأولويات بمصاريف الدولة، الّتي يجب عليها إيجاد إيرادات وتأمين العدالة الاجتماعيّة الحقيقيّة في هذا البلد". وأضاف:" نعتبر "حجة" الإفلاس وعدم وجود اعتمادات ماليّة، الدولة من مسؤوليتها تأمينها، وعلى الرغم من عدم ثقتنا بهذه المنظومة، إلّا أننا مستمرون بالسُبل القانونيّة وبالضغط الإعلاميّ والشعبيّ".
وفي حديثه مع "المدن"، يُشير المؤهل الأوّل المتقاعد علي يزبك، لكون هذه المذكرة هي الدفعة الأوليّة، وهم بانتظار استكمال باقي الجداول بوصفها ملحقًا للمذكرة الأولى، وقال: "غايتنا الأولى هي استعادة ما سُلب منا، ولسنا نتسول هذه الحقوق، بل سننتزعها بالمقتضى القانونيّ، هذه الأموال الّتي خصمت من رواتبنا على مدار عقود، نُهبت وأُهدرت، ونحن لن نتخلى عنها بذريعة إفلاس الدولة. هذا وناهيك عن الأموال الّتي سُرقت علانيّة منا وهي الخدمة الإضافيّة (سنين الحرب) والّتي كان موظف الإدارات الرسميّة يتقاضاها نهاية كل شهر، بحجة ضمّها إلى تعويضات نهاية الخدمة، على شكل ثلاث سنوات حرب بحسب قانون الدفاع".
ويُذكر أنّه، قد سبق وتقدمت بعض المجموعات المتقاعدة بطعن أمام مجلس شورى الدولة، لنيل مستحقاتهم من المحروقات، وتحديدًا من رتبة المؤهل والمؤهل أوّل (راجع "المدن")، لكنهم حتّى اللحظة لم يحصلوا عليها، على اعتبار أن قرارات مجلس شورى الدولة غير مُلزمة، وبالتالي لم تقمّ وزارة الماليّة بصرف هذه المستحقات.
تعديلات بنظام مجلس شورى الدولة
وإزاء التجاهل الرسميّ لقرارات مجلس شورى الدولة في مختلف السّياقات، تقدم النائب إبراهيم منيمنة، مطلع الشهر الفائت بإقتراح قانون معجّل مكرّر، يرمي إلى تعديل أحكام المادة 93 من القانون المنفذ بالمرسوم رقم 10434 تاريخ 14/6/1975 المتعلق بوضع موضع التنفيذ مشروع القانون المحال على مجلس النواب بموجب المرسوم رقم 8085 تاريخ 31/5/1974 المتعلق بنظام مجلس شورى الدولة وتعديلاته. بمرجع المرسوم رقم 10434 تاريخ 14/6/1975، والقانون رقم 259، والمادتين 101 و 110 من النظام الداخلي المجلس النواب. وذلك بهدف الوصول إلى حلٍّ عمليّ لتطبيق أحكام مجلس شورى الدولة الملزمة التي تمتنع الإدارة عن تطبيقها بطريقة إستنسابية، تضرب مبادىء فصل السلطات والعدالة والمساواة والإنصاف، وتمس بالثقة بالسلطة القضائية وهيبتها ورقابتها على عدم تجاوز الإدارة لحدّ السلطة.