المصدر: نداء الوطن
الكاتب: أحمد الأيوبي
الاثنين 4 أيلول 2023 07:22:11
أثار الرفض الفجّ للنائب محمد رعد تشغيلَ مطار الرئيس الشهيد رينيه معوض في القليعات خلال لقائه نواب عكار، ردود فعلٍ غاضبةً في الشمال وعكار عكست الانطباع السائد بأنّ «الحزب» يمارس التسلّط والهيمنة وحرمان اللبنانيين حقوقهم في التنمية خاصة في الملفات التي من شأنها إحداث تغيير مؤثِّر في معالجة الأزمة التي تضرب الناس في حياتهم اليومية، كما هي حال هذا المطار وما يحمله من فرص عمل وبوابة لتحريك الاقتصاد في عكار والشمال ولبنان عموماً. لم يُقنع الكلام المنسوب لرعد حول أسباب الرفض وخاصة الاعتبارات الأمنية باحتمال وقوع المطار تحت سيطرة مقاتلي «داعش» فقد اعتبرته الأوساط العكارية خارج الواقع وأنّ رئيس كتلة الوفاء للمقاومة أراد أن يقول أيّ كلام لتبرير رفض تشغيل المطار من دون أن يُبدي الأسباب الحقيقية التي تدفع «حزب الله» لهذا الموقف، وقد تكون رغبته في السيطرة والتحكم بالملاحة الجوية في لبنان وربما يريد عقد صفقة ما لمطار بيروت مقابل تشغيل مطار رينيه معوض..
في المقابل، لم يتوقف نشاط نواب عكار وتكتل «الاعتدال الوطني» عند موقف «حزب الله» بل واصلوا حركتهم وأصدروا بياناً أكّدوا فيه الاستمرار في السعي لتشغيل المطار، وهذا الموقف تتلاقى عليه معهم أغلب الكتل المستقلة والمعارِضة ويشكل مساحة عمل مشتركة بخلاف المواقف السياسية السائدة في ملفات كثيرة، منها الاستحقاق الرئاسي... بينما يشكّل موقف حركة «أمل» مساحة حوار محتملة نظراً للعلاقة الإيجابية التي تربط نواب «الاعتدال» بالرئيس نبيه بري.
دبوسي: مستعدّ للقاء نصرالله
لا يريد رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي أن يُصدِّق أنّ قوةً سياسيةً بحجم «حزب الله» وبما يعلنه من عناوين تتعلّق بالحقوق ورفض الظلم، يمكن أن يرفض تشغيل مطار رينيه معوض بما يحمله من فـُرَصٍ لشركائه في الوطن ويمكن أن تستفيد منه بيئتـُه الحاضنة ورجال الأعمال فيها والمزارعون والصناعيون لأنّ فوائده ليست مناطقية أو طائفية أو مذهبية بل هي مصلحة وطنية كاملة.
يُكمل دبوسي في نقاشاته ولقاءاته التي يخوضها في البحث عن سُبُلِ تشغيل مطار رينيه أنّه مستعدّ للقاء الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ليشرح له الأهمية الوطنية للمطار في إطار منظومة اقتصادية متكاملة تمتدّ من مرفأ طرابلس حتى عكار، ويقدّم له ما يطمئن بأنّه سيكون مرفقاً لجميع اللبنانيين، ويبحث معه عوامل تعزيز الشراكة الوطنية التي يحتاجها اللبنانيون للحفاظ على وحدتهم وتماسكهم في إطار دولة قابلة للاستمرار والازدهار، وللوصول إليها لا بُدّ من نشر التنمية الكفيلة بمحاربة الفقر ومعالجة التصدعات الوطنية.
ويعتقد أنّه ينبغي مصارحة السيد نصرالله بحقيقة أنّ قرار التعطيل للمشاريع الكبرى إذا صحّت نسبتُه إلى «حزب الله»، يصيب الشراكة الوطنية بالأذى الشديد ويعرقل مسارات التوافق السياسي التي لا تعني رئيس غرفة طرابلس إلاّ بالمقدار الضروري لتأمين الاستقرار الوطني العام، ولهذا يبدي الاستعداد لمثل هذا الحوار في هذا التوقيت بالذات نظراً للحاجة الماسة إلى خطوة إيجابية في قلب الانهيار وفي مواجهة المؤشرات السوداء المُحدِقة بلبنان. لا يتعامل أغلب الساعين لتشغيل المطار مع القضية بخلفيات سياسية بل يقاربونها بروحية الشراكة والتعاون، رغم ما يصدر من مواقف تحتاج إلى المزيد من الاحتكاك الإيجابي للوصول إلى الهدف المشترك، وهذا هو الجو الذي ساد لقاء دبوسي بمفتي عكار الشيخ زيد زكريا مرفقاً بتأكيد المرجعيات الدينية في اللقاء الروحي العكاري على ضرورة تفعيل المرافق الحيوية ورفض تعطيلها، مع تأكيد المفتي ضرورة الانتقال إلى مرحلة متقدِّمة من الضغوط على السلطة لتشغيل المطار.
المطران منصور: كفى تنمّراً على أهل عكار
يبدو متروبوليت عكار وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران باسيليوس منصور شديد الغضب هذه الأيام بسبب تعاظم المعاناة التي يواجهها أهل المحافظة المعلّقة على خشبة التجاذبات والإهمال والحصار، مبدياً رفضه لـ»التنمر» الذي يعانيه أبناء عكار في سعيهم لطلب الرزق المغموس بالمرارة وهضم الحقّ وامتهان الكرامة، ليتساءل: لماذا لم تحصل هذه المحافظة على حقها في مؤسسات الدولة ولم تشهد إنشاء المرافق اللازمة لتحقيق كونها محافظة بما يستوجب ذلك إدارياً ومالياً، ولماذا كلّ هذا التعطيل لمشاريعها الحيوية؟
يبدو ألم المطران منصور من إهمال الدولة كبيراً جداً لأنّه نابع من تجارب شخصية يرويها بمرارة وألم وغضب، فهو سبق أن عرض على رئاسة الجامعة اللبنانية أرضاً وقفية تبلغ مساحتها 27 ألف متر مربع لتبني عليها فروعاً للجامعة الوطنية لكنّ هذا الاقتراح ذهب أدراج الرياح، كما اجتمع مع رئيس الجامعة وقدّم له مبنى صالحاً لتشغيل كليةٍ للصحة في عكار من دون بدل مالي، لكن الموافقات الأولية تبخّرت وفشلت تلك المحاولة. ويختصر الموقف بالقول إنّ الأولوية بالنسبة إليه هي عكار وحقوق أبنائها، ولهذا لا بُدّ من تطبيق اللامركزية كمدخل لتحقيق تنمية عادلة لا تستثني أحداً وتعوِّض المحرومين من حقوقهم على مدى عقود طويلة بنيل ما يستحقونه من إنماء لم يروه ولم يلمسوه رغم ضخامة الوعود السياسية الرنّانة.
يبدو طرح اللامركزية صيغة مخفّفة لصيغ أكثر راديكالية وتذهب إلى حدود الفدرالية مع تأكّد العجز عن معالجة الواقع الراهن للدولة بتداعياته الدستورية والسياسية والأمنية والإدارية والمالية، بينما يشكِّل تعنُّتُ المنظومة المسيطرة على مرافق الدولة واستبدادها وفشلها في الحفاظ على الحدّ الأدنى من مقوِّمات الدولة ورفضها القاطع للإصلاحات وبحثها عن موارد واهية لتجنّب الالتزام بها مع صندوق النقد الدولي... عاملاً محفِّزاً على التطرّف في طلب الفدرالية.
كلّ هذه العوامل تفرض نفسها ولم نصل إلى مناقشة قضية السلاح غير الشرعي ومدى تأثيرها على قيامة الدولة، وهذا يعني أنّ الأزمات تضخّمت بشكل باتت توازي في خطورتها إشكالية هذا السلاح الأمر الذي ينذر بانهيار الهيكل على الجميع، مع ما يعنيه ذلك من مخاطر وجودية على لبنان الدولة والكيان، فهل ما يجري مقصود للوصول إلى الانهيار الشامل وكيف يمكن وصف سلوك القابعين في مواقع السلطة وهم يديرون عملية السقوط والخراب؟