المصدر: الجمهورية
الكاتب: جورج شاهين
الثلاثاء 14 كانون الاول 2021 06:58:45
لا ينفكّ مرجع ديبلوماسي منذ عودته من جولة خارجية عن التحذير من الغليان الذي رفع من حدة المواجهات على أكثر الساحات الدولية والاقليمية التهاباً. ولذلك فقد حمل أكثر من رسالة تحذير الى من أوغلوا في مواجهاتهم «المحلية الصغيرة»، داعياً الى اجتراح المعجزات لفكفكة العقد الداخلية لينجو لبنان من تداعيات الصفقات الكبرى التي ربما أطاحت ما تبقى من مؤسسات الدولة وكيانها. وعليه لماذا كل هذا التخوف؟
على وقع مسلسل الأزمات الكبرى التي تعيشها البلاد منذ فترة غير قصيرة والاستحقاقات المنتظرة التي تستعد لها عند بلوغ المهل المتحكمة بالانتخابات النيابية المقبلة وما يحوط بها من عوامل قد تؤدي الى تطييرها، لا يبدو ان هناك من يسعى الى مقاربتها بما تستحقه من عناية لاستغلال الفرصة الذهبية والفوز بامتحان عدم تفويت مثلها. فالحاجة ماسّة اليوم بالنسبة الى جميع المهتمين بالازمة اللبنانية ان تتحول هذه الاستحقاقات محطة إنقاذ تحيي الأمل في إمكان اعادة تكوين السلطة ومعها الثقة الدولية والداخلية بالدولة ومؤسساتها. وهي أمور تفرض التراجع عن كثير من المواقف الخشبية المتشنجة وقياس النتائج السلبية المتوقعة لها على أكثر من مستوى. وكل ذلك مطلوب من اجل التلاقي حول آلية تخرج البلاد من المآزق المتناسلة. وبهدف فكفكة بعض العقد الداخلية ومعالجة بعض الأزمات التي ما زالت تتفاعل بقدرات لبنانية بحتة إن صفت النيات وتراجع البعض عن رهاناته الخارجية مخافة الوصول الى محطة تفقد فيها السيطرة على مجرياتها.
على هذه الخلفيات، تتجه الانظار الى ما يمكن ان تشهده هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة من حياة اللبنانيين، فالازمة بلغت حدودا لم يعد يحتملها أي شعب ولا تقف الامور عند الاستحقاق الانتخابي فهو واحد من سلسلة استحقاقات مرتبطة به الى حد بعيد. فعلى البلاد ان تخوض المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي يشكل نجاحها او فشلها مقياسا لقدرة المسؤولين على اعادة لبنان الى موقعه على الخريطة الدولية والإقليمية.
وباعتراف الأطراف كافة، فإنّ الدولة اللبنانية عاجزة منذ فترة عن تقديم اي خدمة لأبنائها والمقيمين على أرضها الذين افتقدوا الحد الادنى من ابسط مقومات العيش في مواجهة حالات الفقر والعوز والجوع وشلل الخدمات الأولية اداريا وصحيا وتربويا وإنمائيا عدا عن الغلاء الفاحش الذي نهش مدخرات اللبنانيين. كما بالنسبة الى تجاوز الأزمات الديبلوماسية الحادة التي وضعت لبنان على لائحة الدول المحاصرة والمهملة لولا بعض المبادرات الاوروبية والاممية المشروطة التي تحاكي الجوانب الانسانية والعسكرية والامنية في انتظار ان يثبت المسؤولون قدرتهم على ادارة شؤون البلاد والعباد.
وعليه، فإن مرجعا ديبلوماسيا وعند مقاربته المعطيات الداخلية والخارجية لفت بعد عودته من جولة خارجية واسعة النطاق الى خطورة الموقف. فقد انتهت لقاءاته مع عدد من أصحاب القرار المنغمسين في صوغ اتفاقات وتفاهمات لتحسين العلاقات الاقليمية والدولية بين القوى الكبرى المتنازعة مباشرة او بواسطة حلفاء لها الى ما قد يغيّر وجه المنطقة والعالم. ولذلك فهو تحدث بقلق كبير عن حجم الاحتقان الدولي والغليان على الساحات الملتهبة في أكثر من منطقة في العالم متوجساً من امكان ان يستمر بعض اللبنانيين في انغماسهم فيها، فيستدرجون مزيدا من المآسي الى الساحة الداخلية التي لم تعد تتحمل أبسطها وأقلها حدة. فلبنان أُلحِق أخيرا بقدرة قادر بساحات حروب الآخرين على أرضه فتعددت الخضات وزادت المخاوف من بلوغ الانهيارات التي لا يستطيع احد لجمها، فالعالم منشغل في امور كثيرة وان أبدى البعض اهتماماً بالوضع فيه فقد زاد من شروطه التي تجعل اللبنانيين في موقع المبادر ولو بخطوات محدودة لإثبات حسن النية والقدرة على التفاعل مع ما يمكن ان يقدمه العالم من مساعدات تؤجل الارتطام الكبير.
وإن زاد فيتوجّه الى من يربط اي خطوة داخلية بما يجري في الاقليم والمنطقة لافتاً الى خطورة انتظار النتائج المترتبة على كثير من الاستحقاقات الدولية. فيقول إن العالم لم يخرج بعد من تداعيات جائحة كورونا والتي أدّت الى انكماش الاقتصاد العالمي بمقدار كبير لم تنجُ منه كبريات الاقتصاديات العالمية، وهي تجهد للخروج من واحدة من موجاته لتستقبل أخرى تفرض الإغلاق في أكثر من دولة، وهو ما ينعكس على مختلف حاجات العالم من النفط والغذاء وينعكس على الاستثمارات الخارجية والمساعدات التي بدأت تنحو الى مجالات جديدة تحاكي انعكاسات هذه الأزمة الدولية.
والى هذه المعطيات، فإنّ المفاوضات الجارية في فيينا بشأن الملف النووي الإيراني التي استؤنفت في 29 تشرين الثاني الماضي ما زالت تترنّح تحت وطأة الشروط والشروط المضادة التي لا توحي بإمكان التفاهم الشامل. وان توصلت الى حل لإنتاج إيران من الطاقة النووية وطريقة استخدامها وضمن أي حدود فإنها لم تقارب بعد الأزمات التي تسبب بها انتشار أذرعها خارج حدودها الجغرافية كما تطالب الولايات المتحدة وعدد من دول مجموعة الـ (5+1). ولذلك فإنّ جمود المفاوضات السعودية - الايرانية التي كانت تجري جولاتها في بغداد قد يطول تعليقها أيضا منذ ان جمدت في 20 أيلول الماضي.
أضف الى ذلك، فإن القمة الإفتراضية التي انعقدت بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن لم تحقق اي تقدم بارز. ولم ترس على حل أيّ من الأزمات الكبرى في علاقاتهما الثنائية المشتركة، ولا في اوكرانيا واوروبا الشرقية وفي مواقع اخرى من العالم وقد أحيلت المناقشات على لجان مشتركة قد يطول انتظار نتائجها. وكل ذلك يجري في وقت تشكو موسكو من عدم تجاوب واشنطن وانقرة مع طروحاتها في سوريا ولم تتمكن من التخفيف من حدة الصدام على الاراضي السورية ووقف الهجمات الاسرائيلية على مواقع حلفائها الإيرانيين والقوى الممثلة لهم. وان اضيفت هذه العقد الى الفشل المتمادي في توليد الدستور السوري الجديد بين النظام ومعارضتي الداخل والخارج تزيد حدة الاحتقان وتبتعد الحلول السياسية إلى أجل غير محدد. وطالما ان الوضع في اليمن لم يحسم بعد لأي طرف فإنّ الامور ستبقى معلقة على مساحة انتظار واسعة.
وختاماً، لا يخفي المرجع مخاوفه من استمرار الازمات الداخلية في لبنان مع استحالة الوصول الى طي اي منها، بعدما رُبِطَ بعضها بالمعطيات الخارجية بمقياس ارتهانها لتطورات الداخل في وقت يبدو ان ما هو مطلوب من اللبنانيين صعب جداً، وان أي حل ينتظر حلحلة خارجية. وعليه كيف سيكون الحل ممكناً ان بقي الجو الدولي مقفلاً والعجز الداخلي قائماً؟!.