المصدر: الحرة
السبت 9 تشرين الثاني 2024 15:41:51
خلال الحملة الانتخابية للرئيس المنتخب، دونالد ترامب، كان لافتا الحضور الكبير لإيلون ماسك الذي رمى بثقله المالي والإعلامي وراء المرشح الجمهوري، وبرز كأحد أكبر داعميه وحلفائه الأساسيين، في تحول لافت لعلاقتهما التي شهدت توترات في الماضي.
لعب ماسك، أغنى رجل في العالم، دورا رئيسيا في حملة الجمهوريين، إذ أنفق أكثر من 110 ملايين دولار من ثروته الشخصية لدعم حملة ترامب، ونظّم أيضا سلسلة من اللقاءات الانتخابية في ولاية بنسلفانيا التي شهدت منافسة محتدمة، وهو الآن يسير نحو تولي منصب رفيع في إدارة ترامب.
وقبل انتخابات عام 2016، كان موقف إيلون ماسك من دونالد ترامب مغايرا تماما للحالي، حيث صرح لشبكة “سي ان بي سي”، آنذاك، أن ترامب “ليس الرجل المناسب” لرئاسة البلاد، منتقدا شخصيته التي “لا تعكس صورة جيدة للولايات المتحدة”.
ووقف ماسك حينها في صف هيلاري كلينتون، مؤيدا سياساتها الاقتصادية والبيئية، لكن المفاجأة جاءت بعد فوز ترامب، حيث عينه في مجلسين استشاريين اقتصاديين، في محاولة منه لاستقطاب أبرز رجال الأعمال في قطاع التكنولوجيا.
غير أن هذا التنسيق لم يدم طويلا، إذ استقال ماسك من منصبيه الاستشاريين في يونيو 2017، احتجاجا على قرار ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ.
وكتب ماسك حينها: “تغير المناخ حقيقي. مغادرة باريس ليست جيدة لأميركا أو العالم”، في موقف جاء متسقا مع رؤيته وأهداف شركته للسيارات الكهربائية “تسلا” في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
لكن العلاقة بين الرجلين، بدأت تشهد تحولا تدريجيا منذ عام 2020، عندما دعم ترامب موقف ماسك في صراعه مع ولاية كاليفورنيا بشأن إغلاق مصنع تسلا خلال جائحة كورونا.
وتدخل الرئيس ترامب، آنذاك، لدعم موقف ماسك. وغرد على تويتر : “يجب على كاليفورنيا أن تسمح لتسلا وإيلون ماسك بفتح المصنع، الآن! يمكن القيام بذلك بسرعة وأمان!”، رد ماسك على تغريدة ترامب بكلمة “شكرا لك!”.
وفي يناير من العام نفسه، أشاد ترامب بماسك بشكل علني، واصفا إياه بأنه “أحد عباقرتنا العظماء” وشببه بتوماس إديسون، لافتا إلى نجاحات تسلا و”سبيس إكس”، كما أكد أنه “يقوم بعمل جيد” في مجال الصواريخ.
غير أن التوتر عاد مجددا ليطبع علاقتهما، مع إعلان ترامب نيته الترشح للعودة للبيت الأبيض في 2022، وحينها وصف ماسك الرئيس السابق بأنه “كبير جدا في السن” للترشح مجددا، داعيا إياه إلى التقاعد والانسحاب بشكل مشرف. ورد عليه ترامب بغضب، إذ اتهمه بالنفاق والسعي للحصول على دعم حكومي لمشاريعه.
ومثل استحواذ إيلون ماسك على منصة تويتر التي أصبحت تُعرف لاحقا باسم “إكس”، نقطة تحول ليس فقط في علاقتهما بل أيضا في وفي الساحة السياسية والإعلامية الأميركية. فبعد حظر استمر، منذ أحداث 6 كانون الثاني 2021، بعد أن اعتبرت إدارة تويتر السابقة أن تغريداته تشكل “تحريضا على العنف”، عاد ترامب إلى المنصة.
وكان ماسك سبق أن وصف في مقابلة مع “فاينانشال تايمز”، قرار حظر ترامب بأنه “قرار سيئ أخلاقيا” و”حماقة في أقصى درجاتها”.
وباعتباره “متطرفا في حرية التعبير”، كما يصف نفسه، أعلن ماسك في مايو 2022 أنه سيلغي حظر ترامب إذا نجح في الاستحواذ على المنصة، وهو ما حدث بالفعل بعد إتمام صفقة الشراء مقابل 44 مليار دولار.
ورحب ترامب في البداية بشراء ماسك للمنصة، مشيدا على منصته “تروث سوشال” بأن تويتر “الآن في أيد عاقلة”، وأنه “لن يديره بعد الآن متطرفون يساريون ومجانين يكرهون بلدنا حقا”. لكنه أشار حينها إلى تفضيله البقاء على منصته الخاصة.
ومطلع شهر أغسطس الماضي، عاد الرئيس الأميركي المنتخب للنشر بنشاط على “إكس” أخيرا، عبر سلسلة منشورات ترويجية لحملته الانتخابية، قبل أن يظهرا معا في مقابلة على الهواء، بثت على المنصة.
وخلال الحملة الانتخابية، أصبحت المنصة تحت إدارة ماسك أداة إعلامية فعالة لدعم الحملة الانتخابية للجمهوريين، إذ أصبحت منبرا رئيسيا لحملة ترامب ووسيلة فعالة لتنظيم جهود التصويت.
وكشف تقرير لـ”نيويورك تايمز” عن وجود تنسيق مباشر بين المنصة وحملة ترامب، خاصة في التعامل مع المعلومات الحساسة والتحكم في انتشار المحتوى.
وأشارت إلى أنه بعد نشر الصحفي المستقل، كين كليبنشتاين، معلومات مخترقة تتعلق بنائب الرئيس المنتخب، جي دي فانس، تواصلت الحملة مع “إكس” لوقف انتشار المواد. وشرعت بعدها المنصة بحظر الروابط المؤدية للمواد المخترقة وتعليق حساب الصحفي.
كما أشارت “إن بي سي نيوز” إلى أن ماسك أجرى تغييرات جوهرية على المنصة لتصبح أكثر ملاءمة للمحتوى المحافظ، شملت إعادة هيكلة برنامج التحقق، وتعديل خوارزميات الظهور والانتشار، وتخفيف قواعد المحتوى، وإطلاق نظام مشاركة الإيرادات مع المستخدمين المؤثرين.
وأظهر استطلاع لمركز “بيو” للأبحاث انقساما حادا في تصورات المنصة على أسس حزبية، حيث يرى 53 بالمئة من الجمهوريين أن “إكس” مفيد للديمقراطية، مقابل 26 بالمئة فقط من الديمقراطيين، في انعكاس كامل للأرقام قبل استحواذ ماسك على المنصة.
كما أوضحت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير حديث أن خوارزميات منصة “إكس”، تميل بشكل واضح نحو المحتوى السياسي، مع تفضيل ملحوظ للمنشورات المؤيدة لترامب.
ووفقا لصحيفة “بوليتيكو”، يؤكد هذا المعطى كان يشتبه به محللون من تحول المنصة تحت إدارة ماسك إلى أداة دعم رئيسية للحملة الجمهورية.
وأشار المصدر ذاته، أنه لم يقتصر الأمر على الخوارزميات، بل شارك ماسك نفسه في “نشر معلومات مضللة” عبر المنصة، كان أبرزها مزاعم عن تعمد إدارة بايدن عرقلة جهود الإغاثة من الإعصار، في أكتوبر الماضي.
ويبرر ماسك نهجه بادعاء أنه يسعى لتحقيق توازن في المشهد الإعلامي الرقمي، متهما كبريات الشبكات الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي الرئيسية مثل فيسبوك وإنستغرام بالانحياز للديمقراطيين، ومقدما منصته كبديل يدعم “حرية التعبير” و”تنوع الآراء”.
وساهمت عودة ترامب إلى المنصة في تعميق تحالف الميليارديرين، وفتحت قنوات جديدة للتعاون بينهما. وهذا ما تجلى في الدعم المالي الكبير الذي قدمه ماسك لحملة ترامب، والذي تجاوز 110 مليون دولار.
وشكلت محاولة اغتيال دونالد ترامب في يوليو 2024 منعطفا جديدا في التحالف بين الرجلين، إذ أعلن ماسك عن “تأييده الكامل” لترامب مباشرة، بعد الحادثة التي وقعت خلال تجمع سياسي قبل المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري.
ووصل التقارب بين الرجلين إلى ذروته في أكتوبر 2024، عندما ظهر ماسك في تجمع انتخابي لترامب في بنسلفانيا، مرتديا قبعة “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، وخلاله أعلن ماسك أن فوز ترامب ضروري “للحفاظ على الدستور والديمقراطية في أميركا”.
وأبدى ترامب نيته تعيين ماسك في منصب حكومي رفيع، مقترحا إنشاء منصب “وزير خفض التكاليف” أو رئيس لجنة الكفاءة الحكومية.
من جهته، أعرب ماسك عن استعداده للخدمة “دون أجر أو لقب أو اعتراف”، مؤكدا رغبته في إصلاح “الهدر واللوائح غير الضرورية في الحكومة”.
وبدأ الحديث عن دور محتمل لماسك في الإدارة الجديدة مبكرا، إذ أعلن ترامب في سبتمبر أنه سيطلق لجنة كفاءة حكومية مكلفة بإجراء “تدقيق مالي وأدائي كامل للحكومة الفيدرالية”، وهي خطة كان ماسك أول من اقترحها.
وأفاد ترامب أمام شخصيات من دوائر المال والأعمال في نيويورك بأن ماسك الذي اقترح الفكرة، سيشرف على “مراجعة كاملة للحسابات المالية والأداء للحكومة الفيدرالية بأكملها” في إدارته الثانية في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية.
وطرح ماسك الفكرة خلال محادثة مع ترامب في أغسطس، تم بثها مباشرة على منصة “إكس”، حيث اقترح تشكيل لجنة لضمان إنفاق “أموال دافعي الضرائب بشكل جيد”.
ولم تُكشف بعد الطريقة التي ستعمل من خلالها لجنة الكفاءة المطروحة.
ونقلت “نيويورك تايمز”، عن مصادر مطلعة أن خطط ماسك تسعى إلى إحداث تغيير في الإنفاق الحكومي، وخفض ما لا يقل عن 2 تريليون دولار من الميزانية الفيدرالية، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الوكالات الحكومية، فضلا على تقليص ما يعتبره “البيروقراطية غير الضرورية”.
ويشير تقرير لصحيفة “الغارديان” إلى أن الدور المقترح لماسك يثير مخاوف جدية من تضارب المصالح، موضحا أن شركاته الست متشابكة بعمق مع الوكالات الفيدرالية، إذ تجني شركاته مليارات من عقود إطلاق الصواريخ، وتستفيد من بناء الأقمار الصناعية وخدمات الاتصالات الفضائية.
كما تحصل شركته تسلا على مئات الملايين من ائتمانات الانبعاثات التجارية، وتواجه شركاته ما لا يقل عن 20 تحقيقا فيدراليا حديثا.