"مساءلة" الجيش لضبط حدود مهمّته جنوباً

 

لا يتعاطى "حزب الله" على أن الحرب التي يريد أمينه العام الشيخ نعيم قاسم أن يقفل موضوع "كيف بدأت وما الذرائع التي سببتها" منعاً أو إقفالاً لمحاسبته من اللبنانيين ودفعاً لمسؤوليته في دفع البلد إلى الدمار، هي حرب نهائية أو أخيرة مع إسرائيل.

حين خرج الأمين العام السابق للحزب السيد حسن نصرالله في 2006 بخطاب ما بعد الحرب، قدّم مراجعة ضمنية أو إذا صحّ القول شبه اعتذار بالقول "لو كنت أعلم" بمعنى أنه لم يكن يتوقع حرباً إسرائيلية شعواء ضد لبنان رداً على اختطاف جنديين إسرائيليين.

وحين بدأت حرب "المساندة" التي أعلن الحزب صراحة أنه خاضها من ضمن معادلة "وحدة الساحات" لكن مع البقاء مبدئياً من ضمن ما يُسمّى قواعد الاشتباك، فإنما على خلفية عدم رغبة نصرالله في حرب قد تدمّر لبنان وتبعاً لذلك تترك انعكاسات سلبية بالغة عليه وليس تدميره كلياً وفق ما كان متوقعاً.

كل التحذيرات الغربية عبّرت عن مخاوفها من حرب مدمرة للبنان ولم يتحدث أحد عن حرب مدمرة لإسرائيل على رغم سردية الحزب وخطاباته. وفات الأوان راهناً وفق ما تقول مصادر ديبلوماسية على انتصار المحور "في الميدان" ولو أن الحزب حريص على قول ذلك لاعتبارات المحافظة على موقعه وقوته من ضمن بيئته والرؤية إليه حتى من خصومه، حتى لو كرر ذلك أيضاً المرشد الإيراني علي خامنئي في أربعين السيد نصرالله. فلا التدمير الحاصل لقرى لبنانية على طول الشريط الحدودي ولا تدمير مبانٍ كثيرة في الضاحية أو بعلبك ومناطق كثيرة يسمح بذلك ولا حال استجداء لبنان للدعم والمساعدة.

مع أن الحزب سلّم لرئيس مجلس النواب نبيه بري بالتفاوض على وقف للنار فإن قاسم بعد تعيينه أميناً عاماً خرج ليحدد بنفسه مضمون ما يريده من الإطار التنفيذي للقرار 1701. ورد ذلك قبل يومين في "مساءلته" الجيش اللبناني عما حصل في البترون في عملية اختطاف إسرائيل قيادياً من الحزب فيما للمفارقة لا يتظلل الجيش اللبناني للحماية هو نفسه أو يعترف بمسؤولية الجيش عن حماية البلد فيما ادعى هذه الحماية للبلد لنفسه فقط.

يستشعر قاسم التزاماً من الجيش مع ما تتطلبه الجهات الدولية حول انتشاره مع اليونيفيل في الجنوب لدى موافقته على الانسحاب من جنوبي الليطاني طوعاً وإقراره بذلك، ويخشى أن هذه الالتزامات لن تسمح وفق شروط الدول المؤثرة وكما تضغط إسرائيل بالمساومات أو غض نظر عما يقوم به الجيش راهناً. ويذهب فوراً في هذا الإطار بالتهديد الضمني إزاء تهمة التعاون مع العدو الإسرائيلي في ما تريده إسرائيل تنفيذاً لحربها ضد الحزب.

لذلك لمّح إلى أنه "يطالب" "ولن أتهم اليوم" بتوضيح ما حصل في البترون علماً بأن التساؤل شرعي إزاء اختراق إسرائيل على سبيل المثال لا الحصر كل السيادة السورية التي تحميها قوات بشار الأسد وإيران و"حزب الله" نفسه أخيراً في مصياف السورية، واختراقها كل أجهزة الحزب وقياداته. لا يزال الحزب يمسك بورقة عدم التعاون المحتمل مع انتشار الجيش واليونيفيل جنوباً ولو أن بري يقول إنه اتفق مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين على إطار الاتفاق الذي سينهي الحرب في لبنان استناداً إلى القرار 1701.

يريد الحزب مدعوماً من إيران صياغة واقع في الجنوب يفترض فيه ألا يتعاون الجيش مع متطلبات إسرائيل لضبط الوضع هناك لا سيما لجهة نزع سلاحه وتفكيك بنيته العسكرية ومصادرة ما قد يعثر عليه بالإضافة إلى ضبط المعابر التي تسمح بحصوله على الأسلحة إن عبر مطار بيروت أو عبر المعابر الأخرى.

هذه إشكالية بدأ الحزب صياغتها برفض انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية وعلى عتبة احتمال التمديد لهذا الأخير والاستعدادات الحكومية بناءً على تعهدات أهل السلطة الممثلة ببري وميقاتي بتسليم الجيش أمن الجنوب لقاء وقف النار. ولذلك، هذه التهديدات في اتجاه الجيش هي رسالة للخارج الذي يعتمد على الجيش كما للداخل من زاوية أن الأمر قد يهدد بإشعال حرب داخلية إذا دفعت الأمور إلى حدها الأقصى فيما الحزب بالانطباع الذي خلفته الحرب عن تراجعه وضعفه، يرفض أن يبقى مكتوفاً عن فرض أجندته أو على الأقل عرقلة الأجندة لإنقاذ البلد ما لم تؤخذ مطالبه في الاعتبار.