المصدر: النهار
الكاتب: ابراهيم حيدر
الأربعاء 27 آذار 2024 07:45:58
نتذكر في سنوات سابقة كيف كانت تُمنح التراخيص لجامعات خاصة على صورة البلد، حتى أن بعضها رُخص من دون معرفة مجلس التعليم العالي.
خلال العقدين الماضيين بات لأهل الحُكم، جامعات هدفها الأساسي التوجّه نحو قواعدهم، من دون أن تكون الأولوية للمسار الأكاديمي. وتراكمت المخالفات خلال العقدين الماضيين مع إعطاء مديرية التعليم العالي في العهود السابقة موافقات شفهية لجامعات كثيرة، منها تصنف تحت الخانة التجارية لفتح فروع والبدء بمباشرة التدريس باختصاصات وبرامج دفع ثمنها الطلاب في وقت لاحق. وحتى الأمس بقيت هذه السياسة قائمة، فلم تكترث حكومة حسان دياب في الترخيص عام 2020 لفروع كليات هندسة وصيدلة لجامعة دون غيرها من المؤسسات.
أدى ذلك الوضع في التعليم العالي إلى نشوء ما يسمى "النظام التجاري"، تسلق على حساب التعليم الجامعي التاريخي في لبنان وارتكب مخالفات أضرّت بالقطاع، لم تقتصر على بيع الشهادات إنما جعلت عدداً كبيراً من الطلاب رهائن للاستمرار في تبرير وجودها فجذبتهم بإغراءات الأقساط المخفوضة، خصوصاً وأن معظمها حاز تراخيص لاختصاصات ترتبط بالسوق والتجارة، من دون أن تُساءل هذه الجامعات، فبقيت من دون رقابة ولا تقويم، ولا تعنيها الجودة كشرط للمستوى الأكاديمي ومعاييره. ولعل ما شهدناه خلال السنوات الماضية من فضائح الجامعات التي سجلت آلاف الطلاب العراقيين أكبر دليل على المنحى التجاري الذي كرسته الممارسات المخالفة في التعليم العالي.
نشهد اليوم مساراً مختلفاً يؤسس لممارسات تقطع مع المرحلة السابقة وان كان يحتاج مزيداً من التدقيق. لكن الفرصة سانحة لإعادة تنظيم التعليم العالي إذا توافرت الشروط التي تسمح برفع الحماية السياسية والطائفية عن المخالفين، والأهم رفع التغطيات والدعم عن النظام التجاري. ولعلّ القرارات التي يتخذها مجلس التعليم العالي بالتحقق من صحة الشهادات وتنظيم شهادة الماجستير ووقف تراخيص الجامعات، يشكل مدخلاً لإعادة النظر في أوضاع الجامعات، لكنها لا تكفي إذا كان الهدف هو السعي على المدى الطويل الى تنظيمها وفكفكة النظام التجاري الذي يحظى بالدعم والرعاية.
وللمقارنة، فإن المراسيم التي أصدرها مجلس الوزراء في جلسة 19 الجاري حول ما سمي تراخيص، وهي في الأساس مشاريع مراسيم رفعتها وزارة التربية، تشكل مساراً إيجابياً لتسوية أوضاع عالقة في الجامعات وبينها مؤسسات عريقة وتاريخية، وبلغ عددها 32 لا ينص أي منها على إنشاء كليات إنما ترخيص برامج واختصاصات وتعديل تسميات، ومعظمها يعود إلى طلبات سابفة، واستوفت الشروط وفق تقارير اللجان الفنية وتقييم مجلس التعليم العالي.
تعديل اسم كلية في الجامعة الأنطونية لا يعني ترخيصها وايضاً دمج كليات في جامعات أخرى، وإلغاء ترخيص الفرع الجغرافي للجامعة اللبنانية الفرنسية في كليمنصو، والترخيص لبرنامجي دكتوراه في الأميركية واليسوعية. وبالتدقيق في لائحة المراسيم يتبين أنها تفتح الطريق نحو ممارسات تقطع ما راكمته التجارب السابقة، وذلك على الرغم وجود أخطاء وثغر لكنها لا تلغي المسار الجديد للتعليم العالي.
لا خيار أمام وزارة التربية إلا بتكريس قواعد جديدة ترتكز على أسس قانونية لمنع المخالفات في التعليم العالي وإنهاء النظام التجاري وكسر هيمنته، ولا بأس إذا رفعت مشاريع مراسيم بإلغاء تراخيص فروع جامعات خالفت وتخطّت حدوداً غير مسموح بها. ولا خيار أيضاً إلا بفتح ملفات الجامعات التي تدور شبهات حول ممارساتها، فلا يمكن السماح بمنح شهادات غير مطابقة أكاديمياً، ولا بتسجيل طلاب في فروع واختصاصات لا وجود لأساتذة متخصصين فيها، ثم إخضاعها للتقويم لمعرفة مدى التزامها المعايير. والأهم أن يكون للمسار رافعة إصلاحية تواجه الضغوط.