مستلزمات طبية مهرّبة "بالشنطة".. وزارة الصحة: على المستشفيات تحمّل المسؤولية

لم يسلم القطاع الطبي في لبنان من آفة التهريب غير الشرعي، التي تتسلّل إلى الأسواق وتفتح الباب أمام منتجات مجهولة المصدر، إذ حذّرت نقيبة مستوردي الأجهزة والمستلزمات الطبية سلمى سابا عاصي، من تفاقم هذه الظاهرة، واصفةً تداول المستلزمات المهرّبة بأنّه "خطر مباشر على حياة المرضى". لكن التحذير يثير تساؤلات عدّة: هل تشتري المستشفيات مستلزمات من خارج القنوات الرسمية؟ ومن يحدّد المواصفات والمعايير التي تضمن سلامة المنتجات؟

في حديث إلى "النهار"، تؤكّد عاصي أنّ النقابة تضمّ 87 مشتركاً، في مقابل أكثر من 250 شركة غير منتسبة إليها، وتقول: "لا نملك وسيلة لمعرفة من أين تشتري المستشفيات مستلزماتها، لكن وزارة الصحة تتابع الموضوع عن كثب وتمنع أي شركة من بيع مستلزم غير مسجّل لديها، ومفتشو الوزارة والجيش ضبطوا عدداً من المهرّبين"، مطالبةً الجمارك والجيش اللبناني بتشديد ضبط الحدود، إذ ثمة مستلزمات صغيرة يمكن تهريبها "بالشنطة"، مثل مستلزمات جراحة العظام".

بدورها، توضح رئيسة دائرة البرامج والمشاريع في وزارة الصحة العامة الدكتورة ميسلون قانصو لـ"النهار"، أنّ الوزارة أنشأت منصّة إلكترونية اسمها MedTrace، مخصّصة لتتبّع المستلزمات الطبية المغروسة المسجّلة رسميّاً في وزارة الصحة، وهي مرتبطة بكل المستشفيات والجهات الضامنة، بحيث يمكن التحقّق من تسجيل أي منتج بمجرد إدخال رقم الكاتالوغ الخاص به، في حين تخضع المستلزمات غير المغروسة لقرارات تنظيمية تُحدّد الشروط الفنية الواجب توافرها قبل السماح باستيرادها".

 وتقول قانصو: "أي شراء لمستلزم غير موجود على المنصّة أو غير مستورد وفق الأصول، يعرّض حياة المواطن للخطر، خصوصاً في حالة المغروسات الطبية حيث درجة الخطورة عالية جداً، ولذلك تحذير النقيبة جاء في محلّه".

 وهل رصدت الوزارة حالات شراء لمستلزمات من مصادر مجهولة، أو إذا كانت بعض المستشفيات تتعامل مع وكلاء غير رسميين؟ تجيب: "لا أستطيع أن أؤكد أنّ المستشفيات تشتري فعلاً من خارج القنوات الرسمية، لكنّنا نتابع أي إشارة أو شكوى تُقدَّم، وأي مستشفى يثبت أنّه اشترى مستلزماً غير مسجّل عليه أن يتحمّل المسؤولية". وتشير إلى أنّ الوزارة تنسّق بشكل دائم مع الأجهزة الأمنية والجمارك لضبط أي عملية إدخال غير شرعية، معتبرة أنّ التهريب "موجود بنسبة محدودة كما في سائر القطاعات".

إلى ذلك، تشدّد على أنّ وزارة الصحة تعتمد على معايير دولية دقيقة في تسجيل المستلزمات الطبية، إذ لا يُسمح بدخول أي منتج إلى لبنان ما لم يكن حائزاً شهادة صادرة عن إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) أو شهادة المطابقة الأوروبية (EUMDR)، وهما المرجعان الأساسيان اللذان تستند إليهما الوزارة في قراراتها التنظيمية.

وتوضح أنّ هذه الشهادات تؤكّد أنّ المنتج خضع للفحوص والتجارب المطلوبة في بلد المنشأ، وأنّ التزامها يتيح تتبّع أي إشعار سلامة أو قرار سحب (recall) يصدر في الخارج، ليُطبَّق فوراً في السوق اللبنانية حفاظاً على سلامة المرضى.

 من جهته، يؤكد النائب فادي علامة، نائب رئيس مجلس إدارة نقابة المستشفيات في لبنان، أنّ سوق المستلزمات الطبية ما زالت تعاني فوضى كبيرة تستوجب ضبطاً وتنظيماً، "ما يفتح الباب أمام تضخيم الأسعار ودخول منتجات غير مطابقة للمعايير العالمية"، مضيفاً: "ينبغي شراء المستلزمات الطبية من الوكيل المعترف به رسميّاً، لكن إذا كان هذا الوكيل يستورد من مصادر لم تمر عبر القنوات الرسمية، فهنا تكمن المشكلة الحقيقية". ويقول: "لدينا العديد من المعابر غير الشرعية، لذلك، يجب أن يكون هناك تنسيق مشترك بين الجهات الرسمية والأمنية، وتدقيق صارم في عمل المستوردين".

 ورغم تأكيد وزارة الصحة أنّ هذا التحذير جاء حرصاً على حماية المواطن لا المستوردين، يبقى لافتاً أنّه لم تُسجَّل حتى الآن، بحسب الوزارة، أي حالة رسمية تثبت شراء مستشفى لمستلزمات مهرَّبة أو مقلَّدة. غير أنّ هذا الواقع لا يُلغي احتمال وجود ثغر في الرقابة والمتابعة، خصوصاً في ظلّ سوقٍ ما زال يغلب عليها طابع الفوضى.