المصدر: نداء الوطن
الكاتب: جومانة زغيب
الاثنين 2 حزيران 2025 07:26:08
تحفل المرحلة المقبلة بسلسلة تحدّيات واستحقاقات لم يعد من الجائز إهمالها أو تأجيلها، لأنها تتصل بفرصة توفير استقرار مستدام وازدهار مضطرد، في ظلّ ميثاق ودستور ونظام يتعرّض كلّ منها بين حين وآخر للاهتزاز والاستهداف والتنكيل.
فقد أثبتت التركيبة القائمة للدولة اللبنانية منذ الاستقلال وحتى اليوم فشلها في قيادة البلاد إلى سلام دائم من دون حرب أو نزاع أو خضّة داخلية كلّ بضعة أعوام، وكأنّ لبنان مقدّر له أن يخضع دورياً لحلقة جهنّمية تعيده إلى الوراء وتؤخّر نموّه وتقدّمه. وهذا المسلسل هو بمعدل خمسة عشر عاماً تقريباً، وأولى حلقاته تمثّلت بما عُرف بثورة الـ 58 بعد خمسة عشر عاماً بالتمام على الاستقلال، وبرزت الحلقة الثانية مع بوادر الحرب في العام 1973 والتي قادت إلى انفجار الحرب في الـ 1975.
وانتهت الحرب بحرب إزالة التمرّد وإطاحة العماد ميشال عون في العام 1990 بعد حربين كارثيّتين هما "حرب التحرير" و "حرب الإلغاء". وتكرّرت ظاهرة مسلسل الاضطراب بعد خمسة عشر عاماً بالتمام، أي في العام 2005 مع اندلاع ثورة الأرز بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وصولاً إلى رحيل الجيش السوري عن لبنان.
ولم تتأخر الحلقة التالية في الظهور بعد نحو خمسة عشر عاماً أي في تشرين الأول 2019 مع اندلاع الثورة التي تفاقمت في العام التالي، وما زال لبنان يعيش تداعياتها لا سيّما على الصعيدين المالي والاقتصادي.
هذا المسلسل البائس، دفع بعدد من القيادات السياسية لا سيّما المسيحية منها، وبخاصة كردّة فعل على هيمنة "حزب اللّه" بقوّة السلاح، إلى التفكير في تعديل الصيغة أو التركيبة اللبنانية ليس في جوهرها كصيغة نموذجية للعيش معاً ضمن شراكة يفترض أنّها فعلية، بل في بعض التفاصيل التي ينبغي أن تعزّز الشراكة وتحميها من الرياح الموسمية والنزاعات سواء بخلفية طائفية أم سلطوية.
وتلفت أوساط حزب سيادي بارز إلى أنه استكمل منذ فترة لا بأس بها تكوين رؤيته المبدئية لمشروع اللامركزية الإدارية الموسّعة، لجهة تفعيل هذا المشروع ومنحه معنى ميثاقياً وسيادياً، أي من خلال تطويره وتوسيع إطاره، بما يحمي كلّ مكوّن حيث يشكّل الأغلبية مع الحفاظ على التنوّع بوجود أقلية من هنا أو هناك، فتنصرف كلّ منطقة إلى تدبير شؤونها المحلّية الخاصة والبحث عن كيفية تعزيز مواردها الماديّة مع اقتطاع قسم منها للسلطة المركزية.
ومن هنا، ثمّة طرح جاهز لفكرة تتخطّى اللامركزية الإدارية البحتة، إلى تأسيس ما يشبه إدارات محلّية تتولّى شؤونها الخاصة، وتحتفظ بعلاقة استراتيجية مع السلطة المركزية تتعلّق بالدفاع الوطني والعملة الوطنية والسياسة الخارجية وشؤون أخرى، فيستمرّ وجود برلمان وطني وحكومة مركزية وفق معادلات معيّنة وصلاحيّات محدّدة، مقابل وجود مجالس برلمانية مصغّرة وسلطات محلّية في المناطق.
ومن الواضح أن لا أحد يريد التفريط بالميثاق الوطني القائم على العيش المشترك، لكنّ الحاجة ملحّة اليوم لإعادة تنظيم هذا العيش المشترك، بما يضمن استمرار الشراكة السليمة والسويّة ويمنع هيمنة فئة على أخرى، ويحافظ على الطابع الاستثنائي للبنان. وطرح اللامركزية المتقدّمة لا يثير أي تحفّظ دولي، لا سيّما أن عدداً من أبرز دول العالم يعتمد اللامركزية المتطوّرة والواسعة والتي تسمّى فدرالية، على غرار الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وروسيا والهند والبرازيل وبلجيكا وسويسرا وسواها. وتعتبر الدول الغربية بعامة أنّ مسألة النظام في لبنان تعني اللبنانيين حصراً وكيف يتوافقون عليه، طالما أنّ لبنان باقٍ كدولة نموذجية تعدّدية.
أما في ما خصّ قانون الانتخاب، فإنّ القانون الحالي النافذ هو الأفضل تأميناً لصحّة التمثيل المسيحي بالحدّ الأدنى، وإن كان يحتاج إلى تعديلات تتعلّق بالعودة إلى القانون الأخير الذي يسمح للمغتربين بالاقتراع للمرشحين في الدوائر الأصلية لهم في الوطن الأم، بدلاً من بدعة اختراع دوائر خاصة بهم حسب القارات. أما التعديلات الأخرى فتتعلّق بتسهيل عمليات الاقتراع كالميغاسنتر والبطاقة الانتخابية.
ومن المسلّم به أن لا تعديلات أخرى على القانون على غرار الصوتين التفضيليّين أو تعديل بعض الدوائر، وهذا ما عبّر عنه رئيس الجمهورية في مجالسه باعتبار أن الأهم إنجاز الانتخابات النيابيّة بحدّ ذاتها.
في أي حال، في جعبة أكثر من جهة مقترحات ومشاريع قوانين انتخابية، تلحظ حماية الشراكة حتى مع إلغاء القيد الطائفي، عبر اعتماد دوائر فردية تراعي ما يقترب من المناصفة من خلال دوائر تحترم الحيثيات التاريخية والاجتماعية والثقافية بمعزل عن الأعداد والأرقام، كما هو معتمد على سبيل المثال في فرنسا وبريطانيا، وهو المشروع الذي يقترحه الدكتور نزار يونس مع بعض أطراف المجتمع المدني، علماً أن حزب الكتلة الوطنية يقترح مشروعاً يقرّ أيضاً الدائرة الفردية، إلى مشاريع أخرى تعتمد الصوت الواحد للمرشح الواحد. وهذه الطروحات كلّها يمكن الانكباب عليها بعد انتخابات أيار 2026، مع استقرار الوضع اللبناني وتوافر مساحة هادئة للحوار الوطني بعيداً من العوامل الضاغطة.