مصير الدولار على المحكّ عالمياً.. رؤوس أموال تبحث عن مكان استثمار آمن فهل يستفيد لبنان منها؟

هل اقترب أفول نجم الدولار الأميركي وطيّ عصر الورقة الخضراء في العالم الى الأبد؟ وإذا صحت التوقعات، فما العملة البديلة التي يمكن أن تسحب البساط من تحت عملة الاحتياط العالمية التي أقرتها القوى الكبرى في تموز 1944 في ما يعرف بنظام "بريتون وودز"؟ وما النصيحة التي يسديها الخبراء لمدخري الدولارات كعملة استثمار آمنة؟

الانخفاض المطرد في حصة الدولار من احتياطيات البنك الفيديرالي الأميركي وزيادة التوترات الجيوسياسية وسياسة حافة الهاوية المتزايدة لسقف الدين الأميركي الخطرة، أدت الى زيادة التكهنات بأن هيمنة الدولار العالمية تقترب من نهايتها، وفق وكالة "موديز". يضاف الى ذلك ما شهدته مصارف مركزية عالمية من اقتناء كميات متزايدة من العملة الصينية والدولارين الأوسترالي والكندي على حساب حصة الدولار الاميركي، فيما راكمت الصين للشهر السابع على التوالي المعدن الاصفر في خزائنها، إذ اشترت في شهر أيار الماضي تحديداً ما يقارب 16 طناً إضافياً ليصل حجم احتياطاتها من الذهب الى مستوى 2092 طناً ما يوازي 145 مليار دولار. وكذلك فعلت معظم المصارف المركزية حول العالم بشرائها نحو 228 طناً من الذهب خلال الربع الاول. كل هذا مرتبط وفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي بمخطط لنحو نصف المصارف المركزية حول العالم لتقليص احتياطاتها الدولارية خلال السنوات الخمس المقبلة.

استناداً إلى هذا الواقع، يحلو للبعض لأن يؤكد أن عصر اليوان الصيني قادم، وأن عملة التنين الأصفر ستتمكن قريباً من إزاحة العملة الأميركية بالضربة القاضية... وأكثرـ يذهب هؤلاء إلى أن اليوان أزاح الدولار بالفعل في التعاملات المالية بروسيا، وبدأ ما لا يقل عن 12 دولة في أميركا الجنوبية تجارب للتخلي عن الدولار. غير أن وكالة "موديز" استبعدت ذلك لعدم توافر البديل، وإن كانت توقعاتها تشير الى ظهور نظام عملات عالمي متعدد الأقطاب على مدى العقود المقبلة بقيادة الدولار.

لكن على الرغم من كل تلك البيانات والإجراءات، لا يرجح المتخصص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية وأجهزة الرقابة التابعة لها باسكال ضاهر، أقله راهناً أن تحل عملة احتياط دولية مكان الدولار، مستنداً في رأيه الى عدد من العوامل الأساسية التي أصبحت متحكمة في الاقتصاد العالمي والتي نشأت حتى منذ ما قبل تاريخ "بريتون وودز" واستمرت بشكل ممنهج حتى أصبحت من الثوابت التي ترتاح إليها أسواق المال العالمية. وتالياً يقتضي لكل عملة دولية تطمح لتتحول كعملة تحوّط دولية أن تتبعها. ويؤكد أنه "حتى الآن مقومات تلك العملة لم تظهر إلى تاريخه، فضلاً عن أن على أي عملة تطمح لتحل محل الدولار أن تؤسّس لبينة اقتصادية تحتية لعملتها غير متوافرة الآن، مع التأكيد أن هذا لا ينفي إمكان حصوله لاحقاً. وبما أنه لم تظهر مقومات تلك العملة الدولية لغاية الساعة، لذا نرى أن نسبة اليوان كعملة احتياط تبلغ نحو 2.70% فيما بلغ اليورو نحو 21%، والدولار حدود 58%".

توازياً، يشير ضاهر الى تصاعد العملات الرقمية كوسيلة دفع دولية ومن الممكن أن تدفع الى تراجع أهمية الدولار كإحدى عملات الدفع بالرغم من بقائه في المدى المنظور وسيلة احتياط، لافتاً الى سلاح خفي تعتمده الولايات المتحدة الأميركية للمحافظة على قوة الدولار باعتبارها أن أي تراجع في قيمة الدولار قد يؤدي الى أرباح إضافية لمصلحتها في مقابل خسائر ضخمة في بقية دول العالم، بدليل أن الولايات المتحدة الأميركية هي أكبر مدين دولي للعالم بأسره، وهذه الخاصية هي سلاح مزدوج لكل من يسعى الى زعزعة هيمنة الدولار، وتالياً من مصلحتهم إبقاء الدولار على عرشه خوفاً من انعكاس أي خلل فيه على حقوقهم التي ستنخفض قيمتها إذا مسّ الدولار أي "مكروه".

الى ذلك، يؤكد ضاهر أن الذهب سيستمر الملاذ الآمن، ومن المرجح أن يواصل ارتفاعه الى حين توازن القوى الاقتصادية وتوصلها الى تفاهم يرمي الى إعادة التفكير وإقرار نظام عالمي جديد، بدأ الحديث عنه بعنوان بريتون وودز جديد، مشيراً في هذا الإطار الى الاجتماع الذي عُقد في باريس في 22 حزيران الماضي، وضم 40 رئيس دولة أو حكومة بهدف اعتماد ميثاق مالي عالمي جديد وإعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي.

وأمام ما يحصل دولياً، يلاحظ ضاهر "وجود حركة ضخمة من رؤوس الأموال الدولية التي تبحث عن مكان استثمار آمن لتستقر فيه بشرط أن يحترم هذا المكان أو النظام، الحقوق المنبثقة عن حكم الودائع والاستثمار". ويضيف "من المؤسف القول إن لبنان كان يمكن أن يكون مؤهلاً لذلك لو تم احترام أسس الثقة الائتمانية التي ترتاح إليها أسواق المال خصوصاً أن هذه المبالغ التائهة التي تبحث عن ملاذ آمن كان يكمن أن تشكل رافعة مهمة جداً للاقتصاد الوطني عموماً وللقطاع المصرفي خصوصاً في ظل الازمة المفتعلة التي نتخبط بها. وفي هذا الصدد يشير ضاهر الى بيان صندوق النقد الدولي الأخير عن لبنان الذي أكد أن التصرفات غير السليمة قد أفقدت عامل الثقة، وبذلك يكون قد أشار بداهة إلى أنه "لا اقتصاد بدون مصارف، ولا مصارف بدون ودائع، ولا مودعين بدون عامل الثقة الائتمانية".


خطورة الاستثمار بالدولار؟
انطلاقاً مما تشهده العملة الخضراء من تراجع، وعلى خلفية المستويات المرتفعة للتضخم في العالم، يستخلص الخبير الاقتصادي نيكولا شيخاني، أن ثمة خطورة في الاستثمار بشراء الدولار أو اقتنائه لفترة طويلة. واذا كان البعض في حاجة الى الكاش على المدى القصير، فإن شيخاني لا يجد مشكلة في ذلك "على أن لا يتم ادخاره أكثر من سنة ويجب التنويع بالعملات وعدم الاكتفاء بالدولار فقط، ومن بعدها الافضل ادخار الاموال أو استثمارها في الذهب والعقارات. فالذهب في صعود منذ أكثر من 30 سنة بسبب ندرته وصعوبة استخراجه، أما الدولار فخسر من قيمته كثيراً خلال هذه السنوات". واعتبر أن كل حرب تهدد الدولار، واليوم ثمة مشكلة جيوسياسية بين روسيا وأوروبا، وبين روسيا وأميركا وبين الصين وأميركا... إذ إننا نعيش حرباً عالمية مصغرة في أوكرانيا، كما نرى أن دول العالم منقسمة. وحالياً نحن ذاهبون الى مرحلة تشكل خطراً على الدولار الاميركي، وثمة من يقول إن هناك توجّهاً لعملة جديدة، وهذا أمر خطير برأي شيخاني.

يبدو ضاهر وشيخاني مقتنعين بأنه "يمكن للبنان الإفادة من التغيرات العالمية، وجعله محط أنظار رأس المال من جديد. وهذا الأمر ليس صعباً على الإطلاق، بل إنه سهل ويمكن تحقيقه بسرعة قياسية خصوصاً أننا نملك العناصر الذاتية التي تجعل تحقيق هذا الهدف قريب المنال".