المصدر: النهار
الكاتب: نبيل بومنصف
الاثنين 17 شباط 2025 07:55:12
لم يكن أغرب من أحدث المفارقات في الأخطاء الكارثيّة التي يدمن "حزب الله" فعلاً على ارتكابها عبر خطّ بيانيّ نمطيّ، من أنّه انبرى عند أوّل طريق اختباراته مع عهد الرئيس جوزف عون وحكومة الرئيس نوّاف سلام إلى مواجهة مع الناس والجيش و"اليونيفيل". لم يجفّ بعد حبر انتقادات الرئيسين عون وسلام في مسألة وزارة المال والحقائب الشيعيّة وما سمّي مراعاة "الطائفة الجريح"، ولم تكتمل بعد جولات الوفود التي انتدبها الحزب لتوجيه الدعوات إلى تشييع أمينَيه العامّين الراحلَين، فإذا بهوس "7 أيّار" يعصف بالرؤوس الحامية لتتصاعد عن طريق المطار إيّاه، مطار رفيق الحريري، وفي يوم أحياء الذكرى العشرين تحديداً لاغتياله بأيدي مجموعة من الحزب مثبت اتّهامها في حكم المحكمة الدوليّة، وتبدأ فصول ما يظنّ الحزب أنّه ما زال صالحاً للإبقاء على بقايا معادلات سقطت.
من الواضح تماماً أنّ أسوأ ما ترسمه مواجهات طريق المطار وما قد يستتبعها إن عاند الحزب أو بعضه أو كلّه، وسط ما يزعم ويُقال عن انشطارات وانقسامات في صفوفه التي وُصفت سابقاً بأنّها حديديّة، هو أن يكون الحزب يجرّب أدوات بالية في عصر متبدّل ومتغيّر تسبّب هو في المقام الأوّل في ظروف حلوله إن لبنانيّاً وإن إقليميّاً. يريد الحزب بكلّ تبسيط أن يقول للدولة الجديدة في لبنان وعبرها لسائر الأطراف والقوى والشرائح اللبنانيّة بأنّ عليهم أن يخافوه دوماً وأنّ ثمّة معادلة لن يسمح بتبديلها وهي أن "يبقوا يخافوننا". إن انهار سلاح التخويف فإنّ معادلات القوّة ستنهار جنوباً وحدوداً كما في الداخل. وربما في الداخل أخطر لأنّ أربع حقائب وزاريّة استلزمت أسابيع من استنزاف الاتصالات الدوليّة والمحلّية، وكادت تطيح بولادة الحكومة الأولى في العهد الجديد، فكيف بما يتجاوز ذلك تباعاً من الآن فصاعداً مع الاستحقاقات المتوالية التي سيشهدها لبنان؟
والحال أنّ الاختبار الطالع هذا كان محسوباً لجهة توقّع مرحلة مختلفة تمام الاختلاف في التعامل الرسميّ للدولة اللبنانيّة مع الحزب في أخطر الاستحقاقات إطلاقاً، المتصّل بنزع سلاح الحزب في شمال الليطانيّ برمّته بعد جنوبه. وهو الأمر الذي سيظلّ يشكّل أولويّة لا إمكان للمناورات فيها، ولا للتلاعب على الألفاظ ولا لإحياء رميم المعادلات الخشبيّة البائدة، على غرار عهد الوصاية الاحتلاليّة السوريّة أو عهد الهيمنة الممانِعة على مقدّرات السلطة وقراراتها والتحكّم باللبنانيّين كرهائن. ولذا شكّلت المواجهة المبكرة التي افتعلها الحزب في موضوع الإجراءات المتّخذة حيال الرحلات الإيرانيّة إلى مطار بيروت - "الضارّة النافعة" - واقعيّاً بحيث جعل "الدولة المتجدّدة" تُضطرّ إلى إخراج معالم العصب الحاسم لديها لئلّا تسقط من بداية المرحلة والرحلة، ويسقط معها كلّ الرهان والحسابات اللبنانيّة والدوليّة على قيامة دولة حقيقيّة في لبنان. كما أنّ الحزب وفّر للبنانيّين بشكل مبكر أيضاً الوعي الكافي حيال رهان عقيم ساد في الفترة الأخيرة بأنّ الحزب اقتنع بإسقاط الأخطر في عقيدته، المتّصل بالتخويف والتهويل والتخوين. وربما أشدّ ما يؤسف له فعلاً أنّ الحزب لا يترك مجالاً لخصومه ومعارضيه أن يلتحقوا بأصحاب الدعوات "الأفاضل" إلى المرونة الدائمة حياله، أيّ مرونة مع طبائع التخويف؟