معالجة النفايات: الحكومة تتقدّم... باتجاه الهاوية

خلاصة اجتماع مجلس الوزراء، أمس، حول قضية النفايات، أن وزير البيئة فادي جريصاتي عرض خطته للمطامر والمعامل وتوسيع خطة الطوارئ مع مراسيم التخفيف والفرز من المصدر. وطلب ممن يعترض على المواقع والخيارات المطروحة أن يقدم البديل في غضون شهر. وبما أن بعض البلديات تربط حل مشكلة النفايات بتأمين المال، طلب بعضها التمهل في درس كيفية تأمين التمويل. وتوقف الموضوع في الجلسة أمس بين حدّين: إيجاد المواقع من جهة وتأمين التمويل من جهة أخرى. وهذا يعني بحسب صحيفة الأخبار، عودة الى المربع الأول، وكأن شيئاً متقدماً لم يقرّ!
وزير المال علي حسن خليل اقترح إعطاء البلديات مستحقاتها، على أن تتكفل بحل مشكلة النفايات لديها. في المقابل، رفض جريصاتي ذلك كون الأمر يحتاج الى تمويل ضخم لا يمكن للبلديات أن تؤمنه من مستحقاتها. إلا أن أحداً لم يقدم أرقاماً واضحة حول الكلفة الحقيقية. الرقم القديم المتداول لكلفة معالجة النفايات، بحسب مصادر في وزارة المال، يقارب الـ 400 مليار ليرة سنوياً. لكن أحداً لا يملك جواباً عما إذا كانت هذه كلفة الجمع والكنس والطمر والمعالجة حيث أمكن، وما إذا كانت لكل البلديات التي لا تتساوى في طرق التخلص من النفايات؟ إذ إن كلفة الطن يمكن أن تراوح بين 20 دولاراً وأكثر من 100 دولار، لأن كلفة الجمع والرمي في المكبات العشوائية غير كلفة الكنس والجمع والفرز في المعمل والتخمير، ومن ثم الطمر.
انطلاقاً من ذلك، كان يفترض أن تتضمن الخطة والمقترحات الاستراتيجية الكلفة الحالية لخطط الطوارئ، والكلفة المتوقعة لكل خيار، ووضع هذه الأرقام أمام الرأي العام ومجلس الوزراء، مع العلم أنه كلما كانت المعالجة أفضل بيئياً كانت أعلى كلفة.
عملياً، جرى أمس تأجيل البحث في موضوع الكلفة والضرائب، وأحيل موضوع التمويل الى لجنة تضم وزراء البيئة والمال والداخلية لدرس كل المقترحات: بين أن يكون التمويل من مستحقات البلديات في الصندوق المستقل، أو الأخذ بمقترحات وزير البيئة كفرض ضريبة عشرة آلاف ليرة كحد أدنى على المنزل، أو البدء بالمساحات الكبيرة وتأجيل الضريبة على المنازل الصغيرة، أو الضريبة على الوزن... الخ. وقد تبين أن هذا الموضوع لا يزال يحتاج الى نقاش.
مصادر وزارية اخرى لفتت للصحيفة إلى أن الموضوع المالي لم يطرح بعد في العمق، وأن الكباش الفعلي لم يبدأ بعد. صحيح أن مجلس الوزراء أقر الإطار الاستراتيجي الذي عرضه وزير البيئة لناحية القبول بالمبادئ الاستراتيجية، كما أقر مرسومي التخفيف والفرز من المصدر (من ناحية المبدأ أيضاً)، الا أن موضوع التمويل لن يأخذ الحيز الأوسع ــــ والحاد ــــ في النقاش، إلا حين يصل الى البنود المتعلقة بالتوجه الاستراتيجي بعد أربع سنوات، أي التوجه الى إنشاء محرقتين على الأقل بكلفة لا تقل عن مليارَي دولار. فمن يريد أن يستثمر من الآن في إنشاء المحارق، عليه أن يضمن، من الآن أيضاً، أن استثماره سيكون مربحاً ومضموناً لناحية تحصيل عائداته، وأن هناك من سيدفع أكثر من مئة دولار للطن بشكل منتظم ومقونن، تماماً كما يحصل في ملف تمويل السدود، إذ تعهدت مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان على سبيل المثال (تطبيقاً لخطة المياه عام 2010 المسماة استراتيجية) أن تزيد فاتورة المياه السنوية مئة دولار، وأن تمرر هذه الزيادة على دفعات.
لذلك، على من يصر على أن الحل «الاستراتيجي» بعد أربع سنوات، حسب خريطة طريق وزارة البيئة التي أقرها مجلس الوزراء، عليه أن يحدّد، من الآن، من سيموّل ومن سيدفع الكلفة العالية جداً؟
تقول وزارة الداخلية إن موضوع التخطيط الاستراتيجي والتوجهات العامة عند وزارة البيئة. ويقول وزير البيئة إن موضوع الكلفة عند وزارة المال، وتقول الأخيرة إن موضوع معالجة النفايات عند البلديات واتحادات البلديات. وهذه الأخيرة كانت تستسهل القول «اعفونا من ديوننا وأعطونا مستحقاتنا والباقي علينا»... فمن يوفق بين كل هذه التناقضات، وما الذي فعلته اللجنة الوزارية برئاسة رئيس الحكومة التي اجتمعت أكثر من جلسة أخيراً تحضيراً لجلسة أمس، إذا لم تبحث بعد في كل هذه الأمور «الاستراتيجية»؟!
ليست المشكلة في اختيار مواقع المعالجة فقط، كما يظن البعض، مع علم الجميع بما لهذا الموضوع من حساسيات، تظهر أكثر وأكثر مع كل استحقاق.
كل ما أقر أمس ليس سوى بداية الطريق نحو هاوية سحيقة من التناقضات والأزمات والكوارث.
استسهل مجلس الوزراء إقرار المبادئ كالتخفيف والفرز من المصدر، لكنه أجّل البحث في أصعب مشكلتين: المواقع المقترحة للمعالجة على أنواعها والتمويل. ويبدو أن الطريق لن تكون معبدة أمام الحلول السليمة والمستدامة، إذا استمر النهج الاستثماري نفسه في مقاربة هذا الملف.