معالجة النفايات العضوية بالديدان... من جون إلى كلّ لبنان!

حمزة عيد، شاب لبناني كغيره من أبناء جيله حاول في الآونة الأخيرة إيجاد فرصة عمل له في الخارج. المحاولة تعثّرت بسبب عدم تمكّنه من الحصول على جواز سفر. الشاب الثلاثيني تقبّل الواقع مفكّراً بحلول أخرى: لِمَ لا يقوم بتجميع المواد البلاستيكية من منازل بلدته الشوفية، جون، والقيام بفرمها من أجل بيعها لاحقاً؟ الحل تحوّل حلماً والحلم راح يكبر رويداً رويداً. مرّ بمشروع لفرز النفايات ووصل منذ أشهر قليلة إلى استحداث طريقة للتخلّص من النفايات العضوية عبر استخدام أنواع معيّنة من الديدان. إلى تفاصيل الحكاية.

يقول المثل العربي: "ربّ ضارة نافعة". وقصة حمزة، الذي عجز عن الخروج من لبنان إلى أرض الله الواسعة، مثال حيّ. "انطلقنا في شباط الماضي بمشروع لفرز النفايات الصلبة في بلدة جون، وبعد أن ارتفع عدد البيوت المتجاوبة مع عملية الفرز بعد مرور أقلّ من شهرين إلى 311 بيتاً، توسّع طموحنا وبدأنا نفكّر بطريقة للتخلّص من النفايات العضوية أيضاً"، كما يخبرنا. التعمّق في البحث أخذ عيد إلى بلدان تقوم بطمر النفايات وأخرى تلجأ إلى فرمها وتوزيعها حول المساحات الشجرية. لكنه يضيف: "كنا نبحث عن آلية لا تتسبّب بانبعاث الروائح الكريهة أو بأي نوع من أنواع التلوث، إلى أن عثرنا على طريقة تُستخدم في كل من سويسرا وفرنسا وكندا وإندونيسيا وأستراليا وماليزيا كما في نيجيريا والسنغال مؤخراً، وترتكز على التخلّص من النفايات العضوية اعتماداً على أنواع معيّنة من الديدان".

طبعاً، لم يلقَ المشروع الحديث العهد أي تشجيع أو تمويل من أي جهة رسمية. إلا أن بعض المنظمات غير الحكومية ساهمت بتأمين بعض المعدات ودفع رواتب العمال. وهكذا كان. فقد قام عيد بشراء أوقية من الديدان من فرنسا مقابل 90 دولاراً، والأوقية الواحدة هي عبارة عن 4 آلاف شرنقة. كذلك، استورد من الصين بعض اللوازم لتأمين البيئة الصالحة لنمو وتكاثر الديدان من حرارة وضوء ورطوبة. وهكذا يجري اليوم التخلّص من أكثر من 60% من نفايات بلدة جون العضوية بعد أن مضى على انطلاق المشروع أقل من أربعة أشهر. فَمِن أصل 4 أطنان من النفايات يومياً، يجري التخلّص من حوالى طنّين ونصف الطن بواسطة الديدان. كيف تتمّ هذه العملية؟

ديدان وقهوة"الديدان هذه تستهلك طعاماً بما يوازي 5 أضعاف وزنها. فإذا استخدمنا طناً منها لتمكّنت من أكل 5 أطنان من النفايات العضوية. لذا نقوم بفرم النفايات ووضعها في أوعية خاصة لتُسكب الديدان فوقها بحسب الوزن. أما عملية التهام الديدان للنفايات المفرومة فتستغرق بين 8 إلى 12 ساعة لا أكثر"، والكلام لعيد. نستفسر أكثر عن دورة حياة الديدان هذه، فنسمع أن الدودة تعيش 21 يوماً لتتحوّل بعدها إلى شرنقة والتي تقوم بدورها بعد حوالى أربعة أيام بالتفقيس بمعدّل 300 إلى 700 ذبابة. ولإتمام الرحلة بنجاح، يحتاج الذباب إلى رطوبة تتخطى الـ40% إضافة إلى تعريضه للأشعة ما فوق البنفسجية ولحرارة تتراوح بين 25 و37 درجة مئوية. وعلى هذا المنوال، تكاثرت الديدان داخل "مختبر" عيد المتواضع ليرتفع عددها من 4 آلاف إلى مليون ونصف مليون دودة حالياً، ما يجعل من توقعات التخلّص من 5 إلى 7 أطنان من النفايات يومياً مع نهاية شهر شباط المقبل احتمالاً قابل التحقّق.

كذلك، تبيّن أن بقايا القهوة تقوم بتنشيط الديدان وتحفّزها على أكل كميات أكبر لتستهلك 6 أضعاف وزنها بدل الـ5. لذا طلب عيد من أهالي جون تجميع هذه البقايا عوضاً عن رميها مساهمة في التخلّص من كمية أكبر من النفايات العضوية. كما يتمّ جمع- لا حرق- أغصان الأشجار المشحّلة والحشيش المجزوز لفرمها وتحويلها طعاماً للديدان. لكن ماذا عن فضلات الديدان؟ "هذه تُعتبر من أفضل أنواع السماد المستخدمة في الزراعة. وهي عضوية وغير كيماوية كما تباع بسعر جيد بحيث يتخطى سعر الطن الواحد منها الـ500 دولار. فنسبة السماد تشكّل 15% من كتلة النفايات، أي أن من شأن الطن الواحد من النفايات تأمين 150 كلغ من السماد يومياً"، يجيب عيد.

أصداء ودعم معنوي

المشروع، الذي يتكوّن حالياً من فريق عمل من أربعة شبّان، بدأ يلقى أصداء إيجابية، بحسب ما يفيدنا عيد. فبلديات عدّة من أقضية حاصبيا والزهراني والشوف وغيرها تواصلت معه للنظر في تنفيذ المشروع ضمن نطاق بلدياتها. أما على الصعيد الرسمي، فقد أشار عيد إلى تفقّد وزير البيئة، ناصر ياسين، موقع العمل مكتفياً بتقديم الدعم المعنوي للمشروع رغم المطالبة بمؤازرة أوسع من الوزارة لتعميمه على مستوى الوطن. ولدى سؤالنا حول مدى استعداد الوزارة توفير الدعم جاءنا الردّ في اتصال مع ياسين: "التقنية جديدة واطّلعت عليها، لكنها أكثر ملاءمة للمزارعين أو الحدائق أو البيوت الريفية". عيد الذي أسف ختاماً لغياب المعالجة الجذرية لأزمة النفايات رغم توفّر الحلول، يبقى طموحه، كما أكّد، تعميم الفكرة على أوسع نطاق ممكن ما قد يخلق فرص عمل لعدد كبير من الشباب.