المصدر: الأخبار
الكاتب: نعمة نعمة
الثلاثاء 11 حزيران 2024 08:40:41
الأسبوع الماضي، توفيت الطالبة نسرين عز الدين، ابنة الـ 13 عاماً، إثر سقوطها من فجوة داخل باص مدرسي على بولفار طرابلس، في طريق عودتها إلى منزلها في باب الرمل.
وعلى الأثر، تقدّم النواب نجاة عون وبولا يعقوبيان وحليمة القعقور وياسين ياسين وشربل مسعد وإبراهيم منيمنة وفراس حمدان وملحم خلف بسؤال إلى الحكومة حول وجوب إعادة فرض المعاينة الميكانيكية على وسائل النقل من مركبات وباصات، خصوصاً النقل المدرسي، والتشدّد في الرقابة على توفر شروط السلامة العامة فيها.السؤال على أهميته ليس كافياً. فحادثة مقتل نسرين لا تختلف عن حادثة مقتل ماغي محمود (بعدما وقع عليها سقف القاعة الدراسية) في تشرين الثاني 2022، وعشرات الأطفال ممن فقدوا حياتهم أو أصيبوا بحوادث ناتجة عن إهمال أو تلكّؤ في تنفيذ القوانين أو استهتار بالسلامة العامة أو عدم أهلية المسؤولين، خصوصاً أن القوانين لحظت ضرورة التقيّد بمعايير السلامة العامة وأوكلتها إلى أكثر من وزارة وجهة رقابية أهلية وبلدية. وفي حالة نسرين تتوزع المسؤولية المعنوية على كل من وزارة التربية ووزارة الداخلية والبلديات والإدارة المدرسية ولجان الأهل والأهالي، فيما يتحمل المسؤولية المباشرة كل من السائق ومالك وسيلة النقل، والمدرسة في حال كانت المالكة أو المتعاقدة مع وسيلة النقل.
فقد حدّد قانون السير الجديد (2012) ابتداءً من المادة 81 شروط المتانة والسلامة في المركبات، وضرورة تأكد وزارة الداخلية من مواصفات الآليات في الخدمة، ومطابقتها مع المعايير المحددة في القانون. إلا أن رقابة شرطة السير والداخلية غير فعّالة، وتترافق مع تعطيل مصلحة الميكانيك التي تعطي أذونات السير للمركبات والآليات. كما أن حملات التوعية لوزارة الداخلية بشأن السلامة المرورية لم تشمل في أي مرحلة من مراحلها معايير السلامة لنقل التلامذة، ولم تحدد شروطها ولم تضبطها.
كذلك حدّد قانون البلديات في المادة 49 «تنظيم النقل بأنواعه وتحديد تعرفاته عند الاقتضاء ضمن النطاق البلدي، مع مراعاة أحكام القوانين النافذة» و«مراقبة النشاطات التربوية وسير العمل في المدارس الرسمية والخاصة وإعداد تقارير إلى المراجع التربوية المختصة». وفي المادة 74، تطرّق إلى واجبات البلديات «بالمحافظة على الراحة والسلامة والصحة العامة بشرط أن لا يتعرض للصلاحيات التي تمنحها القوانين والأنظمة لدوائر الأمن في الدولة» و«الاهتمام باستدراك أو منع ما من شأنه أن يمسّ الراحة والسلامة والصحة العامة». والأهم «فرض ما يلزم من تدابير النظافة والراحة والصحة والسلامة على وسائل النقل العمومي». لذلك، تقع مسؤولية الرقابة الصحية وسلامة نقل التلامذة والنقل العام إجمالاً على البلديات، لكن هذه كما هو معلوم شبه معطّلة، إما بقرارات من الوزير بكفّ اليد، أو لعدم أهلية أعضائها، أو لعدم وجود موظفين وأموال لتنفيذ الرقابة. رغم ذلك، لا ينبغي إهمال المسؤولية البلدية في موضوعَي السلامة الصحية والعامة، خصوصاً في المدارس الرسمية والخاصة، علماً أن هناك قراراً سابقاً صادراً عن كل من وزيرَي التربية والداخلية طلب كفّ يد البلديات في رقابة أنشطة المدارس وأبنيتها، وقد امتنعت البلديات عن تأمين السلامة العامة والمرورية حول المدارس بسبب النقص في عديد الشرطة وتزايد أعداد المدارس الرسمية والخاصة.
أما مسؤولية وزارة التربية فتتمحور في شقين، الأول رقابة الإدارة المدرسية على وسائل النقل حتى لو كانت خاصة وخارجية عبر إعلام الأهالي بالتنسيق مع لجان الأهل ومجالسهم في التعليمين الرسمي والخاص بشأن معايير السلامة الصحية والعامة في وسائل النقل. أما الشق الثاني فهو عدم إعطاء أهمية معنوية للجان ومجالس الأهل وحجب مشاركتهم وتدريبهم على رعاية شؤون أبنائهم، ما يؤدي إلى ثغر في توفير متطلبات الحماية.
لجان ومجالس الأهل، أيضاً، مسؤولة معنوياً عن مراقبة آليات نقل التلامذة الخاصة بالمدرسة أو الخارجية أو المستأجرة من المدرسة. وهنا نشير إلى قضية شراء شبكة مدارس خاصة معروفة عدداً من الباصات من شركة سوكلين بعدما كانت مصنّفة كأنقاض لعدم صلاحيتها للسير، وإعادة وضعها في الخدمة بلوحات مزوّرة. وعندما تنبّهت لجنة الأهل للأمر قدّمت دعوى قضائية على الإدارة المدرسية لمخالفتها المعايير، فعملت وزارة التربية على طمس الوقائع ولم تأخذ لا هي ولا وزارة الداخلية أي إجراء بحق المدرسة وتعرّض الأهل لضغوط لسحب الشكوى. لذلك، عندما تكون لجنة الأهل فاعلة يمكن أن تراقب ما لم تلحظه الوزارات المعنية لضبط الخروق المتعلقة بسلامة أبنائهم.
كما على الوزارة أن تفرض على المدارس الرسمية والخاصة آلية رقابة على وسائل النقل المملوكة أو المستأجرة وحتى الخارجية والتدقيق في معايير السلامة لناحية هوية السائق ورخصته وسجلّه العدلي ووجود مراقب أو مرافق له وتدريبه كما حدّد القانون 515/96 فهذه مسؤولية الإدارة المدرسية التي لا تنحصر مسؤوليتها المعنوية والجزائية داخل أسوار المدرسة بل تشمل أيضاً الطريق من المدرسة وإليها.
أما الأهالي فعليهم إدراك أن الأزمة الاقتصادية لا يجب أن تقلّص الحرص على سلامة أبنائهم، إذ غالباً ما يختار الأهل وسائل نقل قليلة الكلفة ويلجأ بعضهم إلى الـ«توك توك» رغم أن معايير السلامة فيه شبه معدومة، وهو غير آمن لنقل الركاب والتلامذة خصوصاً مع ضعف تنظيم السير في شوارع لبنان حيث المخاطر مرتفعة جداً ليس بسبب طريقة قيادة اللبنانيين وانعدام إشارات المرور أحياناً وعدم احترامها، بل أيضاً بسبب غياب الرقابة الميكانيكية على الآليات وتعثّر تطبيق القوانين وتلكؤ البلديات وغيرها من العوامل المتعلقة بالتشريع والقوانين.
وبالعودة إلى موضوع الكلفة، ينص القانون 136/92 في مادته السادسة على وجوب تحديد الوزارة لبدلات نقل الطلاب من وإلى المدرسة بحسب معايير محددة. لكنها طبعاً لم تعد تطبق هذه المادة لتسمح للمدارس والشركات المتعاقدة معها بهامش ربح من دون سقوف على حساب المواطن الذي يلجأ إلى الأقل كلفة وأقل حماية.
حادثة نسرين سيتحمل مسؤوليتها مالك الباص والسائق، أما الأطراف الأخرى المذكورة أعلاه فليست معنية بهذا القتل، وسيحمّل المجتمع ووسائط التواصل الأهل جزءاً كبيراً من المسؤولية لتبرئة نفسه من المسؤولية الجمعية، وستتألم وزارة التربية والداخلية والبلدية لما حدث، لكن لن تسعى أيّ منها للحد من تكرارها، وهي بالحد الأدنى لا تحتاج إلى سن قوانين أو مراسيم أو نظام جديد بل تطبيق ما هو قائم وموجود، وإعادة صلاحيات البلديات وإمكاناتها، وتشغيل مصلحة الميكانيك، وتفعيل الرقابة على الإدارات المدرسية ورقابة الأهالي للسلامة العامة والصحية وتفعيل الرقابة البلدية وتأمين محيط المدارس.