المصدر: النهار
الكاتب: مازن عبود
الاثنين 8 كانون الاول 2025 07:54:29
انتهت زيارة البابا، وانتقلت آلية الـ"ميكانيزم"من تثبيت وقف الاعتداءات إلى البحث عن اتفاق سلام. فالتحدّي بات أبعد من مسألة حصرية السلاح، إذ أصبح المطلوب دولياً الانتقال إلى السلام الإبراهيمي بأقل كلفة داخلية ممكنة.
يسأل الحاكم في رواية "البرتقال المرّ (1962) لـ Natalia Ginzburg:
"الكرامة؟ ليس لدينا سوى مئة رجل… وأربعة زوارق ودبابتان من إيطاليا… هل تطالبك كرامتك بأن نرسلهم إلى الموت؟"
الدولة تتعاطى بواقعية، وهذا أمر مقدَّر لمنع اعتداءات أكبر.
عينٌ على "الميكانيزم"، وعينٌ على حوادث القتل الغامضة واقتصادات المخدرات. الجيش تحرك وأسقط رؤوساً كبيرة. كيف لا، والمخدرات تهديدٌ وجودي لأمننا الاجتماعي والاقتصادي، تطال رأس مالنا الاجتماعي، وتلغي الغاية الأخلاقية من وجودنا كدولة؟
اقتصادياً، لا يمكن الحديث عن سيادة المستهلك في حالة الإدمان، فالمُدمِن لا يمتلك القدرة العقلية-الإرادية لاتخاذ قرار حرّ ومستقل، ما يجعل تفضيلاته غير صالحة معيارياً (Becker & Murphy, 1988; Gruber & Kőszegi, 2001).
يا للأسف، لبنان انهار أخلاقياً قبل أن ينهار اقتصادياً. فالضغوط الاجتماعية تحوّلت إلى سلوكيات إدمانية شكّلت آليات تأقلم قسرية مع واقع مرير.
لقد أصبحت زراعة الحشيشة، وتصنيع الكبتاغون، وشبكات التهريب قطاعاً اقتصادياً موازياً مرعباً يستقطب شبابنا المحبط الذي يستسيغ اللقمة السهلة. بطالة تعليمية، وأموال بلا إنتاجية، وثروات تنمو خارج الاقتصاد الشرعي تموّل ساسة ومنظمات وشبكات تتحكم أكثر فأكثر في البلد.
يُقدَّر حجم اقتصاد المخدرات في لبنان بـ2.5 ملياري دولار سنوياً حدّا أدنى. قطاع يغذّي الرذيلة والانهيار (Keen, 2008; Reno, 1999) يتداخل لاعبو الاقتصاد السفلي والعلوي، فيشكّلون مع بعض لاعبي الدولة شبكات الموت. إيرادات تُكبّد المجتمع خسائر اجتماعية واقتصادية باهظة، لا تقتصر على انعدام الأمن وفاتورة الاستشفاء وتدهور الإنتاجية، بل تمتد إلى تآكل القيم الناظمة للحياة والسوق، وتدهور جودة العنصر البشري. ضررها يتخطى الحاضر ليجهز على المستقبل.
المطلوب ليس فقط درء المخدرات التي تفتك بالآلاف، بل أيضاً تصويب بنية مؤسسية تفتك بالبلد. نقف بحزم مع الجيش في حربه المقدّسة على الاقتصاد الأسود. فالمسألة بنيوية، تتعلق بالأجيال والثقة، وإمكان نهوض الوطن مجددا.