المصدر: اساس ميديا
الاثنين 13 أيلول 2021 11:39:28
كتبت كريستال خوري في أساس ميديا:
لم يصمد رئيس "التيار الوطني الحرّ" جبران باسيل كثيراً أمام إغراءات السلطة، فلم يلبث أن عاد شريكاً مباشراً في تركيبة الحكومة بعدما استخدم لعبة "التقيّة"، ولو كانت مفضوحة منذ انطلاقتها، من خلال نفض يديه من مشاورات التأليف تاركاً الكرة في ملعب رئيس الجمهورية ميشال عون، موحياً وكأنّه خارج ملعب المفاوضات، بحجّة حرصه على تسهيل مهمّة رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، وخشيته من فشل جديد على أبواب الانتخابات النيابية... ولكن سرعان ما سقطت ورقة التين، وتبيّن، على المفضوح، أنّ باسيل "شريك ونصّ" في المشاورات، وبالتالي في تركيبة الحكومة.
يعتقد باسيل أنّ بإمكانه أن يمسك المجد من طرفيْه، فيضمن جلوسه على مقاعد المعارضة مع هبوب رياح الانتخابات النيابية، على الرغم من أنّ فشل عهد الرئيس ميشال عون يعني فشل حزبه وفريقه السياسي، أي "التيار الوطني الحر"، فيما يربح بالمقابل مغانم ومكتسبات السلطة، مع أنّ الأيام أثبتت أنّ كل العناد وسياسة رفع السقف التي استخدمها التيار لم تكن إلا للحصول على ثلث معطِّل، وحبّة مسك.
في الواقع، أظهرت الأحداث أنّ "التيار الوطني الحر" خسر معركتين أساسيتين:
1- خاض بدايةً معركة إبعاد يوسف خليل عن وزارة المال بحجّة أنّه "ظلّ" حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي حاول العهد في أكثر من محطّة إبعاده عن الحاكميّة لتعيين بديل عنه. ثمّ تراجع عن هذه المعركة ولو أنّه متيقّن أنّها عنوان بلا أيّ صدقيّة لكونه متأكّداً أنّ الثنائي الشيعي لن يعيد حساباته في التوزير فقط لأنّ في بال الفريق العوني موّالاً يريد إنشاده.
يُشار في هذا السياق إلى أنّ أكثر من متابع يقول إنّ معركة إخراج سلامة من مصرف لبنان مؤجّلة إلى ما بعد نهاية العهد لسبب بسيط وجوهري يتمثّل في أنّ فرض الشغور في الحاكميّة الآن يعني أن يكون لجبران باسيل اليد الطولى في تسمية البديل، وهو سيناريو غير مرغوب به وممنوع بقرار دولي ومحلّي، فيما حلفاء باسيل، وتحديداً "حزب الله"، ليسوا بعيدين عنه، وهذا يعني أنّهم غير متحمّسين لهذا الاحتمال ويفضّلون ترك مصير الحاكمية لِما بعد انتهاء عهد ميشال عون. ولهذا قد يكون هذا البند قنبلة موقوتة من شأنها أن تفجّر الحكومة إذا ما وضعها العونيون شرطاً لإبقاء الحكومة على قيد الحياة.
2- كانت الخطوة التالية لـ"التيار الوطني الحر" هي الانتقال إلى معركة "المداورة"، تحت عنوان حقوق المسيحيين، وبحجّة أنّه يُحظّر على هذا الفريق دخول وزارة المال أو وزارة الداخلية، فرفع شعار "لا حكومة من دون وزارة الداخلية للمسيحيين". ولكن سرعان ما عاد عن هذا المطلب، وتبيّن أنّ حقوق المسيحيين تُختصَر بالثلث المعطِّل.
في الواقع، قد يكون هذا الكلام في محلّه لو أنّ تجربة "التيار الوطني الحر" في الحكم طوال أكثر من 15 عاماً تشجِّع على دعم العونيين في مطلبهم، خصوصاً أنّه تسنّى لهم أن يحصلوا على أكثر من الثلث في بعض الحكومات، بتضامنهم مع "حزب الله" حين كانت العلاقة بينهما أكثر من "سمن وعسل". لكنّ هذا الثلث لم يكن ليوظّف في أيّ معركة حقوقية تحمي المسيحيين، لا بل جُيِّرت تلك المعارك في سبيل فرض تعيينات تأتي بالأزلام الذين سرعان ما ينقلبون على "التيار" أو يُضطرّ الأخير إلى التبرّؤ منهم بسبب سوء أدائهم.
مع حكومة نجيب ميقاتي الثالثة، قد لا تغيب التعيينات "الانتخابية" عن جدول أعمالها المفترض أنّه محصور ببعض البنود الإصلاحية التي سيفرضها صندوق النقد الدولي، والعمل على لجم الانهيار. وبالطبع ستسخدم التعيينات في "استرضاء" العائلات و"المجموعات الانتخابية" هنا وهناك، وفي تثبيت الحضور الحزبي والسياسي في مفاصل إدارية مهمّة. خصوصاً أنّ ثمّة تعيينات ضرورية لا بدّ من القيام بها بعدما تسلّل الشغور إلى الكثير من المواقع، حيث يتردّد أنّ أكثر من أربعين موقعاً إدارياً وقضائياً، ومثلها في التشكيلات الديبلوماسية، يجب وضعها على طاولة مجلس الوزراء، ولعلّ أبرزها المواقع في هيئة الإشراف على الانتخابات، مجلس القضاء الأعلى، والمجلس الدستوري، والتعيينات الإدارية للمديرين العامّين في وزارات المال، المغتربين، العدل، الأشغال العامّة، الصحّة، والموارد المائية والكهربائية...
فهل يربح باسيل في معركة التعيينات ما خسره في معركتي "وزير المال" ووزارة الداخلية؟