معضلة تعيين رئيس الأركان مستمرة.. هل يطلب وزير الدفاع المراجعة نفعاً للقانون؟

لم تحل قرارات الحكومة بتعيين قائد جديد للأركان معضلة المركز الشاغر حتى الساعة في ظل عدم نشر المرسوم من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

وفيما يعتبر رئيس الحكومة وخلفه أغلبية الحكومة أن الترقية للواء حسان عودة هي قرار وليست بحاجة الى مرسوم، أرسل وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم رسالة إلى الوزارات والجهات المعنية يؤكد فيها عدم قانونية تعيين رئيس الأركان واعتباره منعدم الوجود، ما عقّد قضية ترقيته والتعامل المالي معه أو لجهة تعاطي جهات من خارج قيادة الجيش معه.

وبحسب أوساط حكومية، فإن موضوع سد الفراغ في مركز رئاسة الأركان يرتدي أهمية قصوى على اعتبار أن المادة 21 من قانون الدفاع الوطني أجازت لرئيس الأركان دون غيره الحلول محل قائد الجيش عند تغيّبه، ومردّ ذلك إلى أهمية الدور المناط برئيس الأركان والمتمثل بحسب المادة / 22 / منه بمعاونة قائد الجيش في تحمل مسؤولياته وتنفيذ مهماته وضبط عمل الأركان والتنسيق في ما بينها والوقوف على المستوى القتالي للجيش.

استندت الحكومة بقرار التعيين إلى دراسة قانونية معدة من قبل أمين عام مجلس الوزراء القاضي محمود مكية، وفيها أن موقف وزير الدفاع الوطني المقاطع لجلسات مجلس الوزراء، يوصد عملياً الأبواب في وجه المخارج المطروحة لتفادي إقحام المؤسسة العسكرية في الفراغ، علماً أن المبادرة يجب أن تبدأ من عنده باعتباره صاحب السلطة قانوناً بتقديم الاقتراحات المتعلقة بوزارته وبالتالي يمكن توصيف الموقف المتخذ من قبل وزير الدفاع بالامتناع عن تقديم اقتراحات واضحة وعملية إلى مجلس الوزراء، من قبيل التخلف عن القيام بواجباته المنصوص عنها في المادة / 66/ من الدستور والتي أناطت به "تطبيق الأنظمة والقوانين بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته".

وفي حين لا تنفي الدراسة تجاهل دور الوزير المركزي والمحوري في عملية التعيين إستناداً إلى نص الدستور لاسيما المادة / 66 /، إلا أنها ردته للحالات العادية، أما في الحالة الاستثنائية كالحالة التي يستنكف فيها الوزير عن القيام بواجباته الدستورية في مسألة ذات أهمية قصوى وفي مرحلة مفصلية وحساسة على الصعيدين الأمني والعسكري، لا يمكن أن تبقى الحكومة رهينة موقف الوزير السلبي مع ما يترتب على ذلك من مسؤوليات تتحملها هي ورئيسها، بحيث يبقى الخيار الوحيد أمامها هو البحث عن الحلول البديلة التي تجد لها سنداً في الدستور ومن شأنها أن تؤمن استمرارية سير المرافق العامة من ضمنها تفادي الشغور في القيادة العسكرية ودلالاته الخطيرة وانعكساته السلبية على المؤسسة العسكرية.

في المقابل، يؤكد الخبير الدستوري الدكتور جهاد اسماعيل تعليقاً على اعتبار قرارات حكومة تصريف الأعمال نافذة بحد ذاتها من دون صدورها بمرسوم أن "قرارات مجلس الوزراء تندرج ضمن الأعمال التحضيرية ولا تصبح مكتملة النفاذ الا بصدورها بمرسوم، بدليل أن نفاذها يتوقف على صدورها بمرسوم من قِبل صاحب الحق الأصلي - وهو رئيس الجمهورية - وأصحاب الحق التبعي أيّ رئيس الحكومة والوزير المختص، لأن التسليم بنفاذ قرار الحكومة يعني أنه أصبح بمنأى عن الاعتراض الرئاسي أو إعادة النظر به حكومياً، وهذا ما لا يتوافق مع أحكام الفقرة الثانية من المادة 56 من الدستور التي تعطي رئيس الجمهورية إمكانية ردّه إلى مجلس الوزراء ضمن المهلة الدستورية، وكذلك إمكانية إصرار مجلس الوزراء على القرار المتخذ عند ممارسة رئيس الجمهورية صلاحية الردّ، علاوةً على أن المادة 86 من الدستور، على سبيل المثال لا الحصر، جاءت لتؤكد المفعول الإنشائي لا الإعلاني للمرسوم وذلك عندما لا يبتّ مجلس النواب نهائياً في مشروع الموازنة ضمن المهل المفروضة، عندئذٍ يُصدر المرسوم الذي يجعل بموجبه مشروع الموازنة مرعيّ الإجراء ومعمولا به، ما يعني أنه قد حدّدت هذه المادة وظيفة المرسوم الإنشائية المتمثلة في جعل أحكام الموازنة نافذة وسارية".

وعن مدى إمكانية تأكيد هذا التحليل بقرارات قضائية قال اسماعيل "ما يعزّز هذا المنحى من التفسير هو أن المجلس الدستوري، في قرار رقم 2020/8، اعتبر مشاركة الوزير المختص في التوقيع على المرسوم ليس أمراً شكلياً، بل من المسائل الجوهرية الّتي تتوقف عليها شرعية أو لا شرعية المرسوم، أيّ في اعتبار توقيع صاحب الحق التبعي منشئاً للشرعية في شأن المرسوم الواجب إحالته اليه، وبالتالي ليس معقولاً ألا يكون توقيع صاحب الحق الأصلي - وسواه - إنشائياً لا إعلانياً، وهذا ما سبق أن أكده مجلس شورى الدولة، في قرار 133/ 1997، بأن خلو المرسوم من توقيع الوزير المختص يجعل من هذا المرسوم باطلاً وصادراً عن سلطة غير صالحة، وهو أمرٌ يعني - بالضرورة - أن توقيع رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو الوزير المختص عملاً بأحكام المادة 54 من الدستور من قواعد الاختصاص - لا قواعد الشكل - وهي ركنٌ من أركان القرار الإداري الّذي لا ينتج مفاعيله القانونية إلا بمراعاة هذا الركن".

وبالنسبة للخيارات القانونية التي يملكها وزير الدفاع جرّاء عدم صدور مرسوم لتعيين رئيس للأركان، أشار اسماعيل إلى أنه "لا يمكن تقديم طلب ابطال القرار الصادر عن مجلس الوزراء بسبب تجاوز حد السلطة، عملاً بأحكام المادة 105 من نظام شورى الدولة، إلا ضد قرارات إدارية لها قوة التنفيذ ومن شأنها إلحاق الضرر، والقوة التنفيذية تتحقق، برأينا، عندما يكتمل القرار المشكو منه بمرسوم سنداً للمادة 56 من الدستور المعطوفة على المادة 21 من قانون الدفاع الوطني، في حين أن الحكومة اكتفت بالقرار بهدف تجاوز توقيع وزير الدفاع على القرار، وإن كان ممكناً أن يُصار إلى إحياء اجتهاد مجلس شورى الدولة عام 1998 الذي قضى بالاعتراف في القوة التنفيذية لقرارات مجلس الوزراء، خلافاً للمسار الاجتهادي المستقر، شريطةً أن يقتنع مجلس شورى الدولة بصفة ومصلحة وزير الدفاع بالطعن في الحالة المثارة، لا سيما أنه لا يشترط، في دعاوى الإبطال، أن يكون صاحب المصلحة صاحب حقّ، على خلاف دعاوى القضاء الشامل، بمجرد أن يتأكد شورى الدولة أن هناك تعدياً على مبدأ المشروعية".

وفي تصريحٍ لجريدة "النهار"، قال اسماعيل: "يمكن لوزير الدفاع، من جهة أخرى، أن يطلب من هيئة القضايا في وزارة العدل بالتقدّم بمراجعة نفعاً للقانون ضد قرار التعيين بموجب المادة 122 من نظام شورى الدولة وذلك بعد أن يصبح القرار مبرماً، أيّ بعد انصرام مهلة المراجعة وأيّ طريق من طرق الطعن، لأنّ هذه المادة أتاحت الإمكانية للمراجعة ضد قرار إداري فقط من دون أن يكون قد صدر بمرسوم، انتصاراً للقاعدة الحقوقية التي تجاهلها مجلس الوزراء في قرار التعيين بذريعة نظرية "الشكليات المستحيلة"، بينما ما جرى تجاوزه لا يتصل بالشكل المُوجب للنظرية أصلاً، إنما يرتبط أشد الارتباط بالاختصاص كركن من أركان القرار الإداري، وهو أمرٌ يُستفاد من اجتهاد مجلس شورى الدولة الذي قضى بأن خلوّ المرسوم من توقيع الوزير المختص ليس أمراً شكلياً، ويجعل من هذا العمل باطلاً وصادراً عن سلطة غير صالحة، ما يعني أن توقيع الوزير المختص الذي يفتقده قرار تعيين رئيس الأركان من قواعد الاختصاص لا الشكل، وبالتالي إن إغفاله يعني أن المفاعيل القانونية المترتبة عن القرار المشكو منه غير قائمة".