معطيات جديدة حول شبكة تمويل "حزب الله"..."Data" مدارس في كل لبنان بيد أولاد نعيم قاسم

تتوالى فصول الفضيحة التي كانت "نداء الوطن" قد كشفتها الأسبوع الماضي، والمتعلقة بتورّط نجلي الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، في شبكة من البرامج والنقابات والشركات التي تعمل على تمويل الحزب وتبييض الأموال، إلى جانب تجميع بيانات ومعلومات من المدارس اللبنانية عن الطلاب والأساتذة تحت غطاء تربوي.

وفي متابعة حصرية لهذا الملف، حصلت "نداء الوطن" على معلومات جديدة وخطيرة تكشف اتساع رقعة هذه الشبكة وتشابك مصالحها داخل مؤسسات يفترض أنها تعليمية وتقنيية.

شركات بواجهات تربوية

تكشّفت مؤخرًا معطيات تؤكد تورّط المدعو ر.ب.، رئيس نقابة تكنولوجيا التربية في لبنان، في شبكة تمويل حزبية متشعبة، مستخدمًا شركتيّن تحملان طابعًا تربويًا وتقنيًا كواجهة لأنشطة غير شفافة. الحديث هنا عن "شركة تكنولوجيا التعليم التفاعلي iET" و"مركز التقنيات المتطورة ACTC"، اللتين وبحسب التحقيقات لا تقتصران على تطوير التعليم، بل تُستغلان لتأمين تمويل مباشر وغير مباشر ل"الحزب" الذي ينتمي إليه ر.ب. سياسيًا وعائليًا.

التحقيقات الأمنية والمعطيات الميدانية أظهرت بوضوح أن هذه المؤسسات تُستخدم ضمن مشروع متكامل لنشر تكنولوجيا يمكن توظيفها في المجالين الأمني والعسكري، تحت عناوين ظاهرها دعم الابتكار وتعليم البرمجة، وباطنها يخدم أهدافًا حزبية خفية.

ارتباطات عائلية

لم تقتصر الأدلة على الجانب المهني، بل طالت ر.ب.، إذ رُصدت صور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر ابنه البكر م.ب. مرتديًا الزي العسكري الخاص بالـ"حزب"، ومنخرطًا في صفوفه بشكل علني، ما يؤكد انتماءه التنظيمي دون لبس.

هذا الانتماء لا يمكن فصله عن المشروع الأكبر الذي يقوده والده، لا سيّما أن والد زوجة ر.ب. هو أحد القادة العسكريين البارزين في "الحزب" وقد قُتل في الحرب الأخيرة، ما يعكس عمق الارتباط العائلي والهيكلي داخل البنية الحزبية لهذه الشبكة.

الـ"درونز" تحت غطاء التعليم

الأخطر، وفق المعلومات، أن ر.ب. يركّز في معظم نشاطاته داخل المؤسسات التعليمية على الترويج لتعلّم تصميم وبرمجة الطائرات المسيّرة (Drones)، مستهدفًا تحديدًا المدارس الواقعة ضمن بيئته الحاضنة. هذه البرامج التي تُعرض على أنها أدوات لتطوير التعليم التكنولوجي، لا تخلو من الطابع التعبوي، وتثير تساؤلات جدّية حول الأهداف الحقيقية من إدخالها إلى القطاع التربوي اللبناني.

مصادر مطلعة على الملف حذّرت من أن ما يجري لا يمكن اعتباره مجرد حماسة تقنية أو مبادرة فردية، بل جزء من استراتيجية منظّمة لاختراق التعليم وتطويعه لخدمة مشروع عقائدي ذي أبعاد أمنية.

ودعت المصادر الجهات الرسمية والقضائية إلى التحرّك العاجل لفتح تحقيق شفاف وشامل حول طبيعة أنشطة شركتَي iET وACTC، نقابة تكنولوجيا التربية وبرنامج Eschool ونشاطات "مباراة العلوم" و"شبكة التحول الرقمي" لتورطهم بتمويل "حزب الله"، تبييض الأموال وجمع قاعدة بيانات عن المدارس، قبل أن تتحوّل المؤسسات التعليمية إلى منصات تعبئة وإعداد تقني لمهمات تتجاوز حدود الدولة.

طمس للأدلة

علمت "نداء الوطن" أنه بعد نشر المقال الأول الأسبوع الماضي، أقدمت النقابة على حذف مستندات من موقعها الرسمي كانت تتضمن ادّعاءات بتعاونها مع مؤسسات رسمية، منها المركز التربوي للبحوث والإنماء وشبكة التحول والحوكمة الرقمية، إضافة إلى جهات أخرى. والأهم أن هذه المستندات كانت يمكن أن تُستخدم كأدلة قانونية ضد النقابة، أو تكشف عن حجم الاحتيال القائم. واللافت أن الموقع، الذي تم دفع اشتراكه لمدّة خمس سنوات، تمّ توقيفه فجأة بطريقة مشبوهة بعد نشر الفضيحة.

في سياق متصل، استقالت نورا المرعبي من عضويتها في النقابة كأمينة سر ومسؤولة للعلاقات، مؤكدة أنها لم تعد قادرة على تحمّل مسؤولية داخل كيان لم يعد يعكس المبادئ التي التزمت بها.

إنّ ردّات الفعل المتتالية والاستقالات الواضحة تؤكد أن ما نشر لم يكن "اتهامات" كما حاول البعض وصفه، بل حقائق دامغة.

كما علمت "نداء الوطن" أن عددًا من الأعضاء يعتزمون الاستقالة قريبًا في حال لم يتمكن ر.ب. من إثبات عكس ما نُشر.

في المقابل، يتداول في الأوساط القريبة من النقيب ر.ب أنّه يزعم تمتّعه بحماية قانونية من خلال استثناءات وأوراق رسمية تم إعدادها بعناية لإخفاء الحقائق حول هذه النقابة.

النقابة مخالفة للقانون

وفي هذا الإطار، أشار الدكتور علي خليفة، أستاذ التعليم العالي في كلية التربية بالجامعة اللبنانية، لـ"نداء الوطن"، إلى أن ما يُعرف بـ"نقابة تكنولوجيا التربية" تمثل واجهة مخالفة للقانون والمعايير العلمية والمهنية. وأوضح أن هذه النقابة نشأت باستثناء صادر عن وزير العمل السابق مصطفى بيرم، بما يخالف المسار القانوني المتّبع لإنشاء النقابات.

وأضاف أن مراجعة نظامها الأساسي تُظهر أن مؤسسيها لا يحملون الصفة الأكاديمية أو العلمية التي تخوّلهم ممارسة هذا الاختصاص، إذ لا يمتلكون شهادات متخصصة في تكنولوجيا التربية، ولا خبرات علمية أو مهنية معترفًا بها في هذا المجال، ما يجعل عملهم أقرب إلى انتحال صفة.

وأكد خليفة أن ما تفعله هذه المجموعة في ظل غياب الإطار المهني والناظم لعملها قد ينتج عنه شبهات وجرائم يعاقب عليها القانون، منها السمسرة والاحتيال وتحقيق مصالح نفعية وصفقات غير مشروعة، ما ينعكس ضررًا على المجتمع، خصوصًا في ظل ارتباط بعض أعضائها الحزبيين.

وأشار إلى أن هذا النشاط يشكّل خطرًا مباشرًا على الأمن الوطني من ناحية الوصول إلى البيانات التربوية الحساسة وإمكانية إساءة استخدامها من دون أي ضوابط مهنية أو قانونية.

وختم بدعوة واضحة إلى وزير العمل الحالي لسحب الاستثناء الممنوح لهذه النقابة، وإلى القضاء اللبناني لفتح تحقيق رسمي يمكن اعتباره بمثابة إخبار في قضايا الاحتيال وانتحال الصفة وتحقيق أرباح غير مشروعة. كما ناشد وزارة التربية والتعليم العالي لمواكبة استخدام التكنولوجيا في التعليم ضمن إطار يحترم القانون والمعايير العلمية العالمية.

إن ما تكشفه هذه القضية لا يقتصر على خرق قانوني أو تمويل مشبوه، بل يتعداه إلى محاولة خطيرة لاختراق القطاع التربوي اللبناني وتحويله إلى أداة لخدمة أجندة حزبية عقائدية، تحت ستار "التطوير التقني" و"التعليم الرقمي".

إن الصمت الرسمي في وجه هذه الوقائع يضع مؤسسات الدولة أمام مسؤولية وطنية وأخلاقية كبرى. فحماية التعليم من هذه الميليشيا ليس خيارًا، بل ضرورة وجودية لصون الهوية الوطنية، وضمان أن يبقى الطالب اللبناني يتعلّم من أجل مستقبله، لا لخدمة مشاريع تتجاوز حدود الوطن.