المصدر: النهار
الكاتب: د. جيرار ديب
الثلاثاء 24 كانون الاول 2024 11:54:21
انعقدت يوم السبت 14 كانون الأول الجاري، في مدينة العقبة جنوب الأردن، اجتماعات عربية ودولية لبحث تطورات الأوضاع في سوريا، وفقاً لما أعلنته وزارة الخارجية وشؤون المغتربين.
الاجتماع على رغم أهميته، ولا سيما أنه عُقد بعد مرور أسبوع على سقوط النظام في سوريا، وهروب رئيسه بشار الأسد إلى موسكو، يبقى مجرّد طروحات وتبادلات للأفكار بين الحاضرين، إذ إن أسبوعاً واحداً ليس كافياً لتقييم ما حصل، لأنّ الحدث كان سريعاً ومفاجئاً إلا لموسكو التي نصحت الأسد بالتنحّي، وسهّلت هروبه بطريقة "آمنة" كما عبّر أحد مسؤوليها.
أسبوع واحد لا يُعدّ مدّة كافية لوضع قراءة متأنية لسير الأحداث، كذلك لن يستطيع الحاضرون فيه تقديم مقترحات ما دامت ساحات سورية لم تزل تشهد على حراك غير مسبوق، بعد 53 عاماً من حكم نظام ديكتاتوري تمثّل بـ"آل" الأسد، وعلى ضوء ما تشهده المنطقة الجنوبية في سوريا من تحركات للجيش الإسرائيلي الذي أعلنت وازرة الخارجية الإسرائيلية الخميس 12 كانون الأول، أن تحركاته إلى داخل المنطقة العازلة مع سوريا تمّت بعد انتهاكات لاتفاقية "فض الاشتباك"، المبرمة في أيار 1974 بين البلدين. ليس هذا فقط، بل شنّت الطائرات الإسرائيلية مئات الغارات الجوية على أهداف عسكرية وكيميائية ومدنية في مختلف مناطق سوريا، تحت ذريعة التخوف من وصول أيدي الفصائل المعارضة إليها.
التحرّك الإسرائيلي ليس تفصيلاً في مشهدية "اللا نظام" الذي تعيشه سوريا اليوم، فهي تريد، بحسب تقارير مسؤوليها، ضمان أمن حدودها مع سوريا. كما أن الإسرائيلي يُعدّ شريكاً في رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد الذي تحدّث عنها مراراً رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، في أكثر من مناسبة.
قد يكون توقيت الاجتماع مبكراً إلى حدّ ما، إذ كان باستطاعة الأردن الانتظار قليلاً ريثما ينجلي الضباب المسيطر فوق سوريا، ويدرك من أسقط الأسد أيّ نظام يريدونه لسوريا. صحيح أن التوقيت أتى متسرعاً إلى حدّ ما، ولكن قد تكون هناك مشكلة أيضاً في الدعوة التي وُجّهت إلى الحاضرين، حيث حضر الاجتماع إلى جانب وزراء خارجية العرب، وزراء كل من تركيا والولايات المتحدة، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، والمبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون.
ففي قراءة للائحة التي وُجّهت إلى المدعوّين، يمكن للبعض أن يقيم ميزان الربح والخسارة من أحداث سوريا. إن عدم دعوة إيران إلى حضور الاجتماع رسالة واضحة إلى طهران بأن زمن التدخل في الشأن العربي قد ولّى. وإن ما حدث من سقوط للأسد يُعدّ بمثابة "صفعة" وُجّهت إلى سياسة إيران التوسعية في المنطقة. ورغم الصورة التي تعمل إيران على بثها في ما خصّ نيّتها للتعامل مع النظام القادم، فإن "الهلال الشيعي" الذي رسمته منذ قيام ثورتها وتعمّد تصديرها إلى العالم العربي قد سقط.
قد لا يتوقف الأمر عند خسارتها للنظام السوري الذي شكّل على مدى سنوات ممراً آمناً للسلاح الإيراني إلى "حزب الله" في لبنان، بل قد تشهد ساحات عربية أخرى سقوطاً مفاجئاً لما يُعرف بالأنظمة المؤيدة لايران التي شكلت فيها فصائل موالية لها، تحديداً العراق واليمن. لا يختلف اثنان في القراءة على أنّ طهران تبقى هي الخاسر الرئيسي في ظلّ ما جرى وأن الإنفاق المالي الضخم على هذا المشروع الذي تهاوى، قد ينعكس سلباً على الداخل الإيراني، فيحدث معارضة شديدة للنظام فيها، وتشهد ساحاتها حراكاً شبيهاً بما شهدته ساحات سوريا.
لا شكّ في أن إيران ليست الخاسرة الوحيدة، بل أيضاً هناك موسكو التي حاولت الاستثمار في النظام الأسدي، منذ انغماسها فعلياً في الحرب السورية إلى جانب النظام منذ عام 2015. فموسكو وجدت في سوريا موطئ قدم لها على البحر الأبيض المتوسط، وفي العمق العربي، لهذا وقعت اتفاقات مع النظام أهمّها وجود قواتها في قاعدتي "حميميم" الجوية و"طرطوس" البحرية. ليس هناك من مؤشرات واضحة على إنسحاب الجيش الروسي من سوريا في الوقت القريب، لأنّ الخارجية الروسية أصدرت بيانها التوضيحي بهذا الشأن، على أنّها تواصلت مع الفصائل لتجنيب قواعدها أي عمليات عسكرية عليها، إلى أن ترتّب في ما بعد طريقة الخروج من سوريا.
روسيا، لم تفقد فقط حضوراً في المنطقة، بل أيضاً تأثيراً في النفوذ، حيث لم تعد قادرة على عرقلة مرور أنابيب الغاز العربي عبر سوريا إلى أوروبا، في سعي أميركي لإيجاد طاقة بديلة من الغاز الطبيعي الروسي الذي رغم الحرب الدائرة في شرق أوروبا والعقوبات الأممية على روسيا، لم تزل أوروبا إلى الآن تتغذى بالغاز الروسي الذي يمرّ في أراضي أوكرانيا والذي تنتهي فعالية اتفاقيته في أواخر كانون الأول الجاري.
يتفق الجميع على من هو خاسر رئيسي في ما حدث في الداخل السوري، إلا أن تحديد من هي الجهة التي انتصرت يبقى هو الأصعب. فإضافةً إلى اللاعب التركي، الذي كان له الدعم الكافي لفصائل المعارضة، والتدخل لمصلحة تحقيق الانتصار السريع. هذا ما ظهر بعد النصيحة التي أعلن عنها وزير خارجية تركيا الجمعة 13 كانون الأول، هاكان فيدان، من أن تركيا أقنعت موسكو وطهران بعدم التدخل العسكري لدعم بشار عندما هاجمعت المعارضة قواته.
تقرأ الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل التحوّل في سوريا بعين الحذر والترقّب، لا سيما أن هذه الفصائل التي باركت نجاح تحركها من قبل حركة حماس، قد تحمل القضية الفلسطينية عنواناً لمرحلة ما بعد إرساء الحكم في سوريا. هذا ما قد يفتح المجال للديبلوماسية الإيرانية لإعادة تموضعها تحت شعار "على طريق القدس" ما يعيد ترتيب المنطقة بخلاف ما تشتهيه السفن الأميركية والإسرائيلية.
بعيداً عن ميزان الربح والخسارة، الأكيد أن من انتصر في سوريا هو الحربة لهذا الشعب الذي حكمه طاغية لعقود من الزمن. وإن التحرر الذي مات لأجله الآلاف من السوريين في المعتقلات أو في ساحات الشرف، يؤكد أن سوريا ستعود إلى موقعها الطبيعي العربي.