ملف السّجناء الإسلاميين الشائك: مشاريع قوانين لعفو عام قريب

احتلت قضية اللّبنانيين المُعتقلين والمخفيين قسرًا في سجون النظام السّوريّ، صدارة جدول أعمال مجلس الوزراء الذي عُقد عصر اليوم الثلاثاء، لملاقاة مطالب الأهالي الذين ناشدوا الجهات الرسميّة والحكوميّة لتنظيم الملف، وإيجاد سُبلٍ لمعرفة مصير اللّبنانيين الذين أخفاهم نظام الأسد لسنواتٍ طويلة؛ وتحديدًا في حقبتي الحرب الأهليّة اللّبنانيّة والاحتلال العسكريّ السّوريّ للبنان، إلى جانب ممارساته القمعيّة والترهيبيّة.

وبالتوازي مع الحراك اللّبنانيّ الرامي للتنسيق والتعاون مع الإدارة السّوريّة الجديدة، وصل ملف السّجون اللّبنانيّة إلى مراحل جديدة، بعد تحريكه من قبل لجان أهالي سجناء لبنان، الذين انتفضوا للمطالبة بعفوٍ عامٍّ شامل، أسوةً بأولئك المعتقلين في سجون النظام، وتحديدًا أهالي السّجناء الإسلاميين المُعتقلين بذريعة "المشاركة بتنظيماتٍ إرهابيّة"، على اعتبار سقوط حجة الاعتقال. وانصبت جهود هؤلاء على الدفع نحو مطلب "العدالة الانتقاليّة" مع المعرفة المُسبقة أنّه يستلزم اجماعًا سياسيًّا وضمنًا موافقة مختلف الأطراف الوازنة، بيّد أنّه وفي مقابل المعتقلين بذريعة "الإرهاب" في طرابلس وصيدا، هناك فئاتٌ معتقلة بجُرم "الاتجار بالمخدرات" من البقاع الشماليّ.

مع الإشارة لكون العدالة الانتقاليّة تعني وبتفسيرها القانونيّ وفي سياقها اللّبنانيّ، المطلب المتمثل بالعفو عن المحتجزين والمعتقلين بقضايا إشكاليّة، خصوصًا بظلّ غياب المساواة في الملاحقات القضائيّة وتحديدًا مثل أولئك الذين شاركوا بالثورة السّوريّة أو اعتقلوا في لبنان بجنحٍ فيما لا يزال مرتكبو الجرائم الّتي أضرّت بأعدادٍ كبيرة من اللّبنانيين خارج السّجون، أو كأولئك الذين اعتقلوا بسبب نزاعاتٍ داخليّة كما أحداث عبرا فيما لا تزال أطراف متورطة بالاشتباك خارج السّجون. ذلك كمحاولةٍ لإجراء مصالحة ووضع حدٍّ للانقسامات، على أنّ تكون الغاية الأكبر هي إعادة تأهيل السّجون لتخدم غايتها الإصلاحيّة.

ملف السّجون رسميًّا
وفي تطوّرٍ جديد، عقد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اجتماعًا، أمس الاثنين، في السّراي الحكوميّ، ضمّ وزيري الدّاخلية والبلديات بسّام مولوي والعدل هنري خوري، وذلك لمناقشة ملفّ السّجون. وأصدر رئيس الحكومة توجيهاته بضرورة الإسراعِ في تكليفِ قاضٍ من النّيابة العامّة التّمييزية، وضابطٍ من قوى الأمنِ الداخليّ، وممثّل عن الصّليب الأحمر، للكشف على السّجون واتّخاذ الإجراءات اللّازمة، إلى حين اتّخاذ مجلس النّواب القرار المناسب بشأن قانون العفو العامّ.

ووفقًا لمعلوماتٍ خاصّة حصلت عليها "المدن" من مصادر في وزارة العدل، فإنّ العمل الجادّ قد انطلق بالفعلِ، وهناك خطواتٌ عمليّةٌ سيتمّ تنفيذُها تدريجيًّا على أرض الواقع. وأكّدت المصادر أنّ القضيّة تُعتبر مُلحّةً، وتوليها وزارة العدل اهتمامًا كبيرًا. فيما أشارت المصادر في وزارة الداخليّة والبلديات، أن العمل المشترك يتضمن جدولة بأسماء السّجناء وأعدادهم والقضايا الّتي يُحاكمون على أساسها، ليُرفع التقرير إلى الحكومة ريثما يقوم البرلمان بما يراه مناسبًا. وعلمت "المدن" من مصادرها، أن طرح العفو العامّ وتحديدًا عن السّجناء بتهمٍ تتصل بالمشاركة بالثورة السّوريّة إما بالحراك المدنيّ أو بأطوارها المسلّحة، قد وصل إلى مراحل متقدّمة ويُعمل حاليًّا على صياغة مشاريع قوانين تتعلق به، وإن كان لكل كتلةٍ وفريق موقفه من هذا الملف.

سجناء بأحكامٍ مواربة أو بلا أحكام
من جهته، يُشير المحامي ومدير مركز سيدار للدراسات القانونيّة والوكيل القانونيّ لعددٍ من المحتجزين الإسلاميين، محمد صبلوح، في حديثه إلى "المدن"، لكونه يرى أن الأمور إيجابيّة لحدّ اللحظة، قائلًا إن القضية لم تعد تحتمل التأجيل، وخصوصًا أن الذريعة الّتي اُعتقل بحجتها غالبية الموقوفين هي بتهمة المشاركة في الثورة السّوريّة واليوم باتت الثورة هي الّتي تحكم سوريا، شارحًا: "كل من كان ضابطًا أو جنديًّا منشقًا تمّ اعتقاله بتهمة الانتماء إلى عصابةٍ مسلّحة، وتمّ توجيه تهم الإرهاب إليه. لكن لكي يُتهم الشخص بالإرهاب، يجب أن يكون بحوزته متفجّرات أو يقوم بصنعها أو نقلها. والمحكمة العسكريّة لا تملك صلاحية النظر في تهمة الانتماء لعصابة، لذلك تُضاف تهمة الإرهاب لتبرير صلاحية المحكمة العسكرية. هذه لعبة وضعها مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة السّابقة ليشمل أكبر عددٍ ممكن من المعتقلين بهذه التهمة. وعند إصدار الحكم، قد يثبت انتماؤهم إلى عصابةٍ، سواءً كانت الجيش الحرّ (رغم عدم إدراجه بقوائم الإرهاب) أو جبهة النصرة، لكنهم يُبرأون من تهمة الإرهاب. لكن ما هو الطابع الذي يُلصق بهم؟ الإرهاب".

وأضاف: "أما المشاركون في التجمعات السّلمية منذ بداية الثورة، فما زال بعضهم في السّجون حتّى الآن. حاليًا، لم تظهر حالات جديدة، وغالبية المعتقلين أُوقفوا في فتراتٍ سابقة. وبعضهم تمّ ترحيله، والبعض الآخر استطعنا إيقاف ترحيله". في المقابل، لا ينفي أن الوضع في السّجون بات أسوأ رغم انخفاض أعداد السّجناء، حيث لا يزال المحاكمون بقضايا يُمثل حوالي 18 بالمئة من السّجناء، بينما البقية هم سجناء احتياطيون. ويُعلّق بالقول: "وهذه النسبة لا تزال مخالفة للقوانين، حيث أن مدّة التوقيف لدى الضابطة العدليّة 48 ساعة، بينما لدى قاضي التحقيق تصل إلى شهرين، قابلة للتمديد شهرين آخرين في الجُنَح، أما في الجنايات، فهي 6 أشهر قابلة للتمديد 6 أشهر أخرى". ويعزي صبلوح هذا التأخير لكون " القضاء اللبناني يتحمل مسؤولية الاكتظاظ في السّجون الّتي تعود أساسًا للأعداد الضخمة من السّجناء غير المحاكمين؛ فالأزمة الاقتصاديّة وهجرة القضاة أدّت إلى هذا الوضع، وحتى قبل الأزمة كان القضاء يعاني من الفساد والتقصير".

وإزاء هذا الواقع تبرز توصيات حقوقيّة، فيما يتعلق بالموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، سواء المحكومين منهم أو الذين لا يزالون بانتظار المحاكمة، بالتعاون مع الجانب السّوريّ لتسليمهم إلى السّلطات السّوريّة للنظر في ملاحقاتهم الجزائيّة، خصوصًا إذا كانت الجرائم قد ارتُكبت داخل الأراضي السّوريّة وليس في لبنان. أو المُضيّ بإصدار عفوٍ عامّ يشمل هؤلاء الموقوفين.

لجان أهالي السّجناء
وتصف الناشطة في لجان أهالي السّجناء رائدة الصلح، مطلب العفو العامّ بالضروريّ، قائلةً إن "أحوال السّجون اللّبنانيّة والمساجين بات بحاجةٍ إلى تدابير وإجراءات إصلاحيّة عاجلة، خصوصًا أن الأزمات البنيويّة قد أطاحت بالهدف الرئيسيّ من السّجون". وتُضيف الصلح: "سابقًا كنا قد طالبنا بتخفيض السّنة السجنيّة والأحكام المتعلقة بالمؤبد والإعدام، لكن اليوم مطلبنا هو العفو العامّ أسوةً بمشهديّة تحرير آلاف المعتقلين من سجون النظام السّوريّ، وسنقوم بتصعيد حراكاتنا للدفع نحو تحقيق هذا المطلب".

يُذكر أن السّجون اللّبنانيّة، قد تحولت وفي السّنوات الأخيرة، إلى أقبيةٍ مكتظّة، وقد أشارت منظمة العفو الدوليّة في آخر تقاريرها لكون أزمة الاكتظاظ قد ازدادت حدّتها خلال الأزمة الاقتصادية. وتحتجز السجون في لبنان حاليًّا عددًا من الأشخاص يفوق طاقتها الاستيعابية بنسبة 323 بالمئة، وتُعزى الزيادة في الاكتظاظ منذ عام 2020 جزئيًا إلى عجز القضاء عن تسيير قضايا المحاكم، في ظل الإضرابات التي يُنفّذها العاملون في النظام القضائي في سياق الأزمة الاقتصادية. وتجدر الإشارة إلى أن 79.1 بالمئة من جميع المحتجزين في لبنان محبوسون حاليًا على ذمة التحقيق. وهي أعلى من نسبة الـ54 بالمئة التي سجلت عام 2017، وأعلى بكثير من المتوسط العالمي الذي يتراوح من 29 إلى 31 بالمئة. وقد أدّى مزيج من الاكتظاظ الزائد وأوضاع الاحتجاز المزرية إلى تدهور صحة نزلاء السجون، ومن ضمن ذلك تفشي الأمراض الجلديّة.

أما أعباء هذه الأزمة فتقع بجزء كبير منها على كاهل القضاء المولج بإصدار الأحكام، فضلاً عن السلطات اللبنانية التّي تتقاعس عن إيلاء هذا الملف الاهتمام اللازم أو نقل إدارات السجون كحد أدنى إلى وزارة العدل المسؤولة عن المحاكم، ما قد يسهم بتحسين التواصل وتخفيف حدّة الاكتظاظ، كما تخفيف الأعباء عن القوى الأمنية المأزومة والمنهارة.