ملف المدارس غير المرخصة الرديئة: هل يجرؤ عليها الوزير؟

بدأ "لوبي" المدارس الخاصة غير المرخصة بممارسة ضغوطها السنوية، لتمرير ملفاتها في وزارة التربية. ولطالما مررت المدراس ملفاتها من خلال الحصول على موافقات استثنائية بذريعة مصلحة الطلاب. إذ تقوم هذه المدارس غير المرخصة، وهي بالمئات، بتسجيل الطلاب ومباشرة التعليم، ثم تضغط للحصول على موافقات استثنائية. حتى أن المدارس التي لا تستحصل على الموافقة تسجل طلابها على اسم مدرسة "زميلة" حصلت على الموافقة، وذلك وفق نظام إعارة، يضطر أهالي الطلاب القبول به لتجنيب أولادهم إشكاليات قانونية وأكاديمية. ورغم أن الوزراء المتعاقبين من أيام الوزير الأسبق الياس بو صعب، رفضوا التوقيع على الموافقات الاستثنائية، إلا أنهم رضخوا ووقعوا كتباً من أجل السماح لطلاب الشهادات الرسمية للتقدم إلى الامتحانات.

ضغوط على الوزير الحلبي
مصادر مطلعة أكدت لـ"المدن" أن الوزير عباس الحلبي يتعرض حالياً لضغوط، حتى من داخل وزارته، وليس من المدارس عينها فقط، لتمرير الملف، أي التوقيع على الموافقات الاستثنائية التي تبيح لهذه المدارس تقديم اللوائح الإسمية بطلاب المسجلين. وقد سبق وصدر قرار عن الوزارة حمل الرقم 1148 لتمديد مهلة قبول اللوائح الأسمية لتلامذة المدارس الخاصة المجانية وغير المجانية. ونص القرار، الذي صدر منذ يومين، على تمديد مهلة تقديم اللوائح الإسمية من 31 كانون الأول الحالي إلى 31 كانون الثاني المقبل. ورغم أن هكذا قرارات تؤخذ عادة بذريعة عدم انتهاء المدارس من إعداد لوائحها ما يبرر تمديد المهل، إلا أن "مدارس الموافقات الاستثنائية" هي المستفيدة من هذه القرارات.   

يرفض الوزير الحلبي الرضوخ للضغوط ويتمنع عن التوقيع، تقول المصادر. لكن التخوف من أنه في حال عدم إقدامه على اتخاذ قرارات لإقفال هذه المدارس، وتوزيع طلابها الفعليين على مدارس مرخصة، لعدم ضياع العام الدراسي عليهم، هو اضطراره إلى توقيع كتب استثنائية قبل الامتحانات الرسمية لطلاب صفوف الشهادات. وتمرر حينها عشرات طلبات الترشيح لأشخاص هدفهم الحصول على الشهادة الرسمية.

عضو لجنة التربية النيابية النائبة حليمة القعقور حثت الحلبي على عدم الرضوخ. وقالت في تغريدة صباح اليوم: "ملفات فساد لا تنتهي في وزارة التربية ومنها ملف الاستثناءات للمدارس الخاصة، التي لا تملك لا المرسوم (الرخصة) ولا الإذن بالمباشرة. وزراء متعاقبون منذ سنوات يوقعون على استثناءات لتلك المدارس، التي تعمل من دون أوراق ولا معايير. على وزير التربية رفض التوقيع هذه السنة وفضح كل العمليات السابقة وإقفال هذه المدارس". وأكدت لـ"المدن" أنها ستفتح هذا الملف في أول جلسة للجنة التربية في الأسبوع الأول من الشهر المقبل، وملاحقة هذه المدارس وصولاً إلى وقف التجاوزات الحاصلة.

مدارس الخدمات المتبادلة
هذا الملف المزمن، وما يرافقه من روائح فساد وسمسرات، له أولوية أكثر من الفساد في ملف شبكات السماسرة التي تعرض لها الطلاب العراقيون، وملف الشهادات الجامعية التي أضرت بسمعة لبنان. فهو متعلق بمستقبل اللبنانيين ولا يقتصر على مجرد الإساءة للسمعة الأكاديمية أو بانتشار فضائح الفساد في وزارة التربية كما حصل مؤخراً. بمعنى أوضح لهذا الملف أولوية مطلقة على الملفات، التي كانت محطاً للملاحقات القضائية والتوقيفات بالجملة التي طالت موظفين في وزارة التربية وفي جامعات خاصة وسماسرة ومعقبي معاملات. الضرر في ملف السماسرة والموظفين في الوزارة، يتعلق بالفساد الإداري، لكن ضرر ملف هذه المدارس يهدد مستقبل الطلاب والأجيال المقبلة ونوعية التعليم في لبنان.

جزء كبير من هذه "المدارس" موجود بالاسم، وحتى من دون وجود مبنى مدرسي، وتسجل طلاباً بالعشرات للتقدم للامتحانات الرسمية. وتلجأ إلى مبدأ "الإعارة" بتسجيل الطلاب على اسم مدرسة حاصلة على موافقة استثنائية. وسبق وكشفت "المدن" في الامتحانات الرسمية السابقة إقدام مدارس على تسجيل طلاب لبنانيين من مناطق متباعدة لمجرد التقديم للامتحانات. وكل وزير تربية يستلم الوزارة يضطر في نهاية المطاف إلى اللجوء لحلول تنقذ مستقبل الطلاب، فيمنح طلاب صفوف الشهادات موافقة لإجراء الامتحان. لكن أصحاب هذه المدارس يلجؤون إلى تسجيل الطلاب على سجلات مدارس أخرى لتبرير التسلسل الدراسي للطلاب، بعدما تتصاعد صرخات أهالي الطلاب عندما يكتشفون أن أولادهم غير مسجلين رسمياً في وزارة التربية. بمعنى أوضح، يكون الطفل قد انتقل إلى الصف الخامس ابتدائي في مدرسة ما، ويكتشف لاحقاً أنه رسمياً ما زال في الصف الأول. فتلجأ إدارات هذه المدارس إلى التلاعب وتزوير الحقائق والتقدم باسم الأهالي بطلبات استرحام في وزارة التربية وتسوى أوضاع الطفل، كي لا يخسر سنوات علمه. أو تعود وتفتح هذه المدارس بأسماء أخرى.

محاولات سابقة فاشلة
في عهد الوزير السابق الياس بو صعب جرت محاولات لإقفال هذه المدارس، وشنت حملة عليها. وأقفلت مدارس حينها ثم تبين أن الأشخاص عينهم افتتحوا مدارس بعد استبدال الاسم، فكثرت المدارس التي تحمل أسماء أكاديميات دولية وبشتى الأسماء. لكن بو صعب مثله مثل الوزراء الذين أتو بعده، أقدموا على التوقيع على كتب تمنح طلاب هذه المدارس موافقة استثنائية للتقدم للامتحانات الرسمية. أي لا تعطى المدرسة موافقة استثنائية بكل الطلاب، بل يتم مراعاة صفوف الشهادات الرسمية. ورغم أن الوزير طارق المجذوب أعطى هذه المدارس مهلة لإنهاء العام الدراسي مع إصدار كتاب غير قابل للتجديد، أي كان يجب أن تتوقف هذه المدارس عن تسجيل أي طالب، استمر الوضع على ما هو عليه. حتى أن العام الدراسي السابق شهد منح مدارس استثناء لطلاب الثانوي للتقدم للامتحانات قبل أيام قليلة من الامتحان.