المصدر: نداء الوطن
الكاتب: باسمة عطوي
الجمعة 8 كانون الاول 2023 07:00:14
يترقّب أحد كبار تجار السيراميك في لبنان الأحداث الجارية في غزة وقرى جنوب لبنان بقلق، ليس فقط لتأثّره بالمجازر التي ترتكب بحقّ الأطفال الفلسطينيين، والأعمال الحربية جنوب لبنان، بل أيضاً بسبب تراجع أعماله منذ بداية المواجهات بنسبة تزيد عن 40 بالمئة، لدرجة أن المدير المالي لشركته أبلغه بنقص في السيولة يمنعه من صرف رواتب الموظفين عن شهر تشرين الثاني.
يقول لـ»نداء الوطن»: «معظم زبائن «الجملة» لشركتنا هم في الجنوب، وهؤلاء لم يستطيعوا دفع أقساطهم للشركة للشهر الثاني على التوالي بسبب الشلل التام في القطاع التجاري هناك، ما انعكس سلباً علينا وعلى قدرتنا على تسديد مستحقاتنا للتجار في الخارج ولموظّفينا».
هذا التراجع في الأعمال طال أيضاً قطاع مطاعم الوجبات السريعة والتقليدية، ويصف أحد مالكي هذه المطاعم في منطقة خلدة لـ»نداء الوطن» حال مؤسّسته بأنها «مثل اليويو، بمعنى أنه مع تصعيد الخطابات والأحداث في الجنوب يختفي الزبائن، وحين تتراجع يعود بعض الناس لارتياد المطاعم ولكن بشكل خجول».
البواب: خسائر القطاع التجاري 5 ملايين دولار يومياً
إذاً بعد مرور شهرين على اشتعال جبهة الجنوب بين «حزب الله» وإسرائيل (7 تشرين الأول الماضي)، بات التأثير ملموساً على كافة القطاعات الاقتصادية والإنتاجية في لبنان، أي التجارة والصناعة والزراعة والسياحة والخدمات، وهذا ما يوافق عليه الخبير والاقتصادي الدكتور باسم البواب الذي يشرح لـ»نداء الوطن» أن» لبنان خسر في شهري المناوشات في الجنوب كثيراً من مردود النشاط الاقتصادي الذي سجّله منذ بداية العام 2023. بمعنى أن هذا العام كان يمكن للاقتصاد أن يسجّل نموّاً إيجابياً بالمقارنة مع الـ2022 والذي كان صفراً بالمئة(بحسب أرقام البنك الدولي)، لكن تداعيات المواجهات العسكرية التهمت كل النمو الذي حقّقه الاقتصاد حتى أيلول الماضي»، مستدركاً بالقول إن «الرهان هو الحركة الاقتصادية في كانون الأول الحالي أي شهر الأعياد للتقليل من نسبة الخسائر، والتي بلغت على الصعيد التجاري فقط 5 ملايين دولار يومياً أي 300 مليون دولار حتى الآن، في حين أن كافة القطاعات تخسر يومياً ما بين 20 و25 مليون دولار، وذلك يعادل 1.5 مليار دولار خسائر منذ بداية أحداث غزة».
شمس الدين: الخسائر 700-900 مليون دولار
من جهة أخرى يقدّم الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، مقاربة أخرى للخسائر، فيقول لـ»نداء الوطن» إن «الناتج الوطني هو 27 مليار دولار، أي يومياً 74 مليون دولار. وخلال الشهرين الماضيين الاقتصاد اللبناني لم يتوقّف كلياً بل تراجع بنسبة 20 بالمئة، وخلال فترة الهدنة وتراجع حدة الاشتباكات، عادت الأمور الى طبيعتها. ولذلك أقدّر الخسائر ما بين 700 و900 مليون دولار بحدّها الأقصى». وهناك خبراء آخرون يضعون الرقم الوسطي للخسائر بين تقديري البواب وشمس الدين أي نحو مليار دولار.
ترجمة هذه الأرقام على الأرض، تأتي على صورة جمود شبه كلي في سوق الكماليات والسلع المعمّرة في القطاع التجاري، وإشغال خجول جداً في القطاع الفندقي (لا يتعدى الـ5 بالمئة) وحركة خفيفة في قطاع المطاعم، وإرباك كبير في قطاع الصناعة يمنع أصحاب المصانع من الاتفاق على طلبيات جديدة، خوفاً من وقوع الحرب وقطع سلاسل الإمداد بين لبنان والخارج، أما في قطاع الزراعة، فالمزارعون قطفوا مواسمهم قبل الأوان تحسباً من توسع الحرب وعدم تمكّنهم من قطافها في أوانها.
الأشقر: نسبة إشغال الفنادق تنخفض إلى 5%
يوضح نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر لـ»نداء الوطن» أنه «لا يمكن تخمين الخسائر في القطاع الفندقي، لكن يمكن القول إن نسبة الحجوزات المتوقّعة قبل أحداث غزة كانت 50 بالمئة على الأقل، اليوم أصبحت صفراً ونسبة الإشغال الحالي 5 بالمئة وهذا يعني أن الخسائر كبيرة جداً، ونقدرها بعشرات ملايين الدولارات للقطاع يومياً»، شارحاً أنه «يمكن احتساب الخسائر من خلال الرسوم التي تجبيها وزارة المالية (رسوم الضريبة على القيمة المضافة tva) من القطاع الفندقي والتي تقدّر بملايين الدولارات خلال العام الماضي، ومن هنا يمكن أن نستنتج أن القطاع الفندقي أنتج ما يقارب 100 مليون دولار سنوياً. ولزيادة الإيضاح نقول إن هناك مجموعة فنادق يمكن أن تجني 100 ألف دولار يومياً، إذ لديها 100 غرفة معدل إيجارها 150 دولاراً في الليلة أي أن إنتاجها اليومي هو 15 ألف دولار. وهذا الرقم ينطبق على 10 فنادق تملك 100 غرفة، ما يعني أنها جميعاً يمكن أن تجني مليوناً ونصف مليون دولار في الليلة، فكيف الحال بالنسبة لـ500 فندق في لبنان شبه فارغة حالياً؟».
يضيف: «كانت لدينا حجوزات لا يستهان بها لفصلي الخريف والشتاء. صحيح أنها ليست على غرار الموسم الصيفي، لكن هذا البلد الذي بدأ بالصعود على سلم الخريطة السياحية في العالم، وصل الى منتصف الدرجات، ثم جاءت الأحداث وأعادته الى الدرجة الأولى بدلاً من الاستمرار في نمو القطاع»، مؤكداً أن «الحرب ألغت كل الحجوزات سواء في مكاتب السفر أم الفنادق أم الشقق المفروشة أم استئجار السيارات. ومن المرجّح أن يعدل نصف المغتربين عن زيارة لبنان خلال فترة الأعياد، خوفاً من التطوّرات الأمنية التي قد تمنعهم من العودة الى البلدان التي يعملون أو يدرسون فيها».
ويشدّد الأشقر على أنهم «يعملون منذ سنتين على وضع لبنان على الخريطة السياحية العالمية من جديد، لأنه في كل مرة تحصل أحداث في لبنان (حرب/ اغتيالات/ كوفيد/ انهيار) يتأثر القطاع سلباً ويدفعهم للعمل على النهوض من جديد»، مؤكداً أنه «مؤمن بأن لبنان لم يخسر مقوّماته السياحية ولا قدرات شعبه، وجميع من يزوره سواء من الأغنياء أو الفقراء يحبّ العودة إليه، لأنه يضمّ جميع أنواع السياحة/ الترفيهية/ الدينية/ البحر /الجبال/ التزلج... لذلك بمجرّد إعطائنا نوعاً من الاستقرار السياسي نقوم بحملة دعائية فينهض القطاع من جديد».
الرامي: المطاعم خسرت 70% من روّادها
في ما يتعلق بالمطاعم والمؤسسات السياحية، يشرح رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان طوني الرامي لـ»نداء الوطن» بأن «هناك انحداراً دراماتيكياً في القطاع السياحي وبنسبة 70 و80 بالمئة في شتى القطاعات، الفنادق نسبة الإشغال فيها بين صفر و10 بالمئة، وهناك 8000 سيارة في قطاع السيارات المستأجرة موجودة في الكاراجات لا تتحرّك، والأدلاء السياحيون في منازلهم ومكاتب السياحة والسفر تسجل تراجعاً في نشاطها بنسبة 80 بالمئة، والشقق المفروشة 90 بالمئة، وقطاع المطاعم الذي قدّم أفضل صورة خلال الصيف الماضي يسجل تراجعاً حالياً بين 60 و70 بالمئة في أيام العطل، و80 بالمئة خلال منتصف الاسبوع».
يؤكد الرامي أن «الواقع مرّ. وما أنتجه القطاع خلال الصيف صرفه خلال الشهرين الماضيين، الأرقام وجهة نظر في لبنان ونحن نعيش في اقتصاد نقدي، ولكن على الأقل أنتج القطاع نحو ملياري دولار خلال الموسم السياحي، ومن البديهي القول إنه استنزف خلال 60 يوماً، وهذا يعني أنه خسر ملياري دولار على الأقل».
بكداش: إنكماش مبيعات الصناعات المحلية 20%
يشرح نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش لـ»نداء الوطن» أن «القطاع الصناعي تأثر بالأحداث لأسباب عدة منها الانكماش الحاصل في الأسواق المحلية. فمشتريات المواطنين (حتى على أبواب الأعياد) صارت تقتصر على الضروريات، واستبعاد غير الضروري سواء أكان صناعة وطنية أم لا»، معتبراً أن «الأخطر بالنسبة للقطاع الصناعي هو التصدير، وأكثرية المصانع تكثّف دواماتها للوفاء بمواعيد تسليم طلبياتها المتفق عليها قبل اندلاع الاحداث، لأننا جميعاً كصناعيين تعلمنا درساً منذ حرب 2006، إذ لم نستطع يومها الوفاء بالتزاماتنا مع زبائننا في الخارج، ما أدى الى خسارة هؤلاء الزبائن والأسواق لاحقاً».
ويؤكد أنهم «كصناعيين يحاذرون التوقيع على طلبات إنتاج جديدة، خوفاً من توسع الحرب وعدم قدرتهم على الوفاء بتعهّداتهم على غرار ما حصل في 2006، لأن أي طلبيات جديدة تحتاج ما بين شهرين و3 أشهر لإنجازها، وهذا يعني خسارة لهم، علماً أنهم يجهدون لزيادة مبيعاتهم ولكن الوضع مأسوي على القطاع».
ويختم: «لا أرقام عن الخسائر بل هي وجهة نظر، وهناك عدم كشف من قبل المعنيين عن الأرقام منذ سنوات والدولة لا تقوم بواجباتها حول هذا الموضوع. وما يمكن تأكيده أن هناك انخفاضاً لمبيع منتجاتنا الصناعية في السوق المحلية بما لا يقل عن 20 بالمئة».
ترشيشي: مزارعون يستعجلون قطف مواسمهم قبل الأوان
من جهته يؤكد «رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع» ابراهيم ترشيشي لـ»نداء الوطن» أن «الخسائر على الأرض تتمثل في انخفاض سعر ومردود أصناف زراعية. لكن لا يمكن تحديد الخسائر طالما أن الحرب مستمرة، كما أن المزارعين يعيشون فترة عدم اطمئنان لإمكانية تصريف إنتاجهم في حال زرعوا أراضيهم بالزراعات الشتوية». يضيف: «يومياً يوجه لي السؤال التالي: هل نحن متجهون نحو الحرب أو السلام، الى استقرار أو فوضى؟ خصوصاً أن المزارعين في البقاع يستعدون لزراعة الموسم الشتوي أي تحضير الأراضي والبذور». يلفت ترشيشي الى أن «الخسائر المباشرة على القطاع، هي الحرائق الناتجة عن القصف الإسرائيلي في الجنوب ما يحرم المزارع من الاستفادة من أرضه لاحقاً بسبب الحريق، ناهيك بخسارة الأشجار المثمرة وتضرر موسم الزيتون بشكل كبير».
ويختم: «موسم الحمضيات والموز لم يتأثر بشكل مباشر، لكنّ القلق والخوف مستمران. والمزارع يستعجل قطف المواسم خوفاً من التطوّرات، علماً انه تعوّد على الخوف والخسائر بسبب توالي الاعتداءات الإسرائيلية. ولا خيار أمامه سوى الصمود في أرضه».
رمال: أكبر تأثير في الكماليات والسلع المعمرة والبناء
من جهته يؤكد ممثل القطاع التجاري في المجلس الاجتماعي الاقتصادي عدنان رمال لـ»نداء الوطن» أن «لا أحد يملك أرقاماً دقيقة عن الخسائر التي تكبّدتها القطاعات الاقتصادية في لبنان جرّاء العدوان الإسرائيلي على غزة وأحداث الجنوب»، مشدداً على أن «هناك خسائر هائلة على القطاعات التجارية في المناطق المحاذية لفلسطين المحتلة. إذ إن جميعها في حالة جمود كلي وهناك أعباء إضافية على أصحاب المؤسسات نتيجة النزوح. وحتى اليوم لم تحرّك الدولة اللبنانية ساكناً تجاه هؤلاء الناس سواء أكانوا مؤسسات أم نازحين، في محاولة لمساعدة القطاعات الإنتاجية ولا سيما الزراعة والصناعة والتجارة».
يضيف: «الوضع التجاري في البلد تأثر نتيجة العدوان الإسرائيلي ولا سيما قطاع الكماليات والسلع المعمرة، والمفروشات والإنشاء والبناء والسيارات. ويقتصر النشاط على استهلاك المواد الغذائية والأدوية. وجميع المواطنين في حالة ترقب وخوف من توسّع العدوان على لبنان»، مستدركاً «أننا أساساً في أزمة اقتصادية وأزمة ودائع محجوزة. وفي مثل هذه الحالات على الحكومة ومصرف لبنان المركزي إصدار إجراءات وتعاميم تمكّن اللبنانيين من استعمال ودائعهم، لكن هذا لم يحصل ولم تقدم الحكومة مساعدات للمناطق المتضررة.