المصدر: المدن
الخميس 13 تشرين الثاني 2025 00:53:43
تُظهِر مشاهدٌ مكثّفة لتدريباتٍ ميدانيّة يجريها الجيشُ الإسرائيليّ في الشمال، أنّ سيناريوهاتِ المُحاكاةَ تتجاوزُ الاشتباكاتِ المحدودة إلى مواجهةٍ طويلةِ الأمد مع "حزب الله"، مع تمرينٍ مركّبٍ تشارك فيه وحداتُ مُشاةٍ ومدرّعاتٌ وهندسةٌ وطائراتٌ مُسيّرة، وتَركيزٍ واضحٍ على التنسيقِ بين الأذرع، وسرعةِ الانتقالِ بين الدفاعِ والهجوم، بما يُشي باختبارِ جهوزيّةٍ عمليّاتيّةٍ متعدّدةِ المسارات.
تسعى المناورةُ في بُعدَيْها العمليّاتيّ والاتّصاليّ إلى طمأنةِ الجبهةِ الداخليّة، ولا سيّما المستوطناتِ الشماليّة، بالتوازي مع توجيهِ رسالةِ ردعٍ إلى "حزب الله"، بينما تُبرِز قراءاتٌ إسرائيليّةٌ الأثرَ النفسيَّ للعروضِ العسكريّة بوصفِها جزءًا من إدارةِ صورةِ القوّة، ورفعِ الجهوزيّة لدى الاحتياطِ والقوّاتِ النظاميّة.
بالتوازي، تتبادلُ الأطرافُ رسائلَ سياسيّةً حول قواعدِ الاشتباكِ وحدودِ الردّ، مع ربطِ وتيرةِ التدريب بتقديراتٍ تُرجِّحُ توسّعَ رقعةِ القتال من "ردودٍ موضعيّة" إلى عمليّاتٍ أوسع وأكثر مرونةً مكانيًّا وزمنيًّا، في سياقِ اختبارِ قدرةِ الجيشِ الإسرائيليّ على إدارةِ جبهةٍ مفتوحةٍ شمالًا، وتحسينِ سرعةِ المناورةِ واستدامةِ الإمداد.
على الضفّةِ اللبنانيّة، تُدرِجُ التقاريرُ الميدانيّة التطوّراتِ ضمن الإطارِ القانونيّ والأمنيّ للجنوب، ولا سيّما منطقتَي "الخطّ الأزرق" و"جنوب الليطاني"، حيثُ تُؤكِّدُ القراراتُ الدوليّة، وفي مقدِّمِها القرارُ 1701، خلوَّ المنطقةِ من أيّ سلاحٍ غير شرعيّ، وانتشارَ الجيشِ اللبنانيّ بدعمٍ من "اليونيفيل"، وهي إشارةٌ تكتسبُ أهميّةً مضاعفةً مع تصاعُدِ التوتّرِ وتكاثرِ الإشاراتِ السياسيّةِ المتبادلة.
وتحمِلُ المناوراتُ وظيفةً عمليّةً إضافيّة تتّصلُ بالتكيّفِ مع بيئاتِ القتالِ المتداخلة، من خلالِ استخدامِ المُسيّراتِ في الاستطلاعِ والدعم، ودمجِ وحداتِ الهندسةِ لفتحِ المساراتِ والتعاملِ مع العوائق، واستثمارِ المدرّعاتِ للاختراقِ السريع، مع محاكاةِ ظروفِ قتالٍ حضريٍّ وريفِيٍّ، بما يَعكِسُ مسعىً إلى بناءِ "سلسلةِ قتلٍ" أقصر عبرَ ربطِ الاستطلاعِ بالنيرانِ والحركةِ في دوراتٍ زمنيّةٍ متقاربة.
اتّصاليًّا، يَظهَرُ عرضُ الجهوزيّة موجَّهًا إلى الخصمِ وإلى الجمهورِ الإسرائيليّ وصنّاعِ القرار، لتثبيتِ رصيدٍ سياسيٍّ ونفسيٍّ لأيِّ خيارٍ مُقبِل، فيما يُحافِظُ "حزبُ الله" على خطابِ الرّدعِ القائمِ على معادلاتِ الرّدِّ والتدرّجِ في التصعيد، ما يُبقي "الرسائلَ تحت السقف" قائمةً رغمَ ارتفاعِ منسوبِ المخاطرة.
تتلخّص الدلالاتُ والمآلاتُ في أنّ المشهدَ يُشيرُ إلى تحضيرٍ لقتالٍ ممتدّ، إذ يَكشفُ التركيزُ على التنسيقِ بين الأذرعِ وسرعةِ التبديلِ بين الدفاعِ والهجوم عن استعدادٍ لمسارٍ أطول وأكثر تعقيدًا؛ كما يبرُزُ الرّدعُ عبرَ المشهدِ البصريّ حيث تُستخدَمُ المناوراتُ أداةً لطمأنةِ الداخل بقدرِ ما هي تحضيرٌ تكتيكيّ بانخراطِ وحداتٍ متنوّعةٍ ومعدّاتٍ ثقيلةٍ وخفيفة؛ وتتجلّى نافذةُ تفاوضٍ ضيّقة مع تواصُلِ الرسائلِ المتبادلةِ بما يرفعُ احتمالاتِ سُوءِ التقدير ما لم تتقدّمْ مساراتُ التهدئةِ والوساطاتُ لتثبيتِ قواعدِ الاشتباك؛ فيما يَبقى ثِقَلُ القرارِ 1701 حاضرًا عبرَ التمسّكِ بإطارَي "الخطّ الأزرق" و"جنوبِ الليطاني"، بما يُبقي الالتزاماتِ الدوليّةَ في صُلبِ أيّ تسويةٍ أمنيّةٍ مُحتملة.
في الخلاصة، يضعُ تسارُعُ المناوراتِ والرسائلِ المتبادلةِ الجبهةَ الشماليّةَ أمامَ مسارينِ مفتوحين، إمّا تثبيتُ تهدئةٍ صلبةٍ تُعيدُ ضبطَ الاشتباك، وإمّا انزلاقٌ تدريجيٌّ إلى مواجهةٍ أوسع تُختبَرُ فيها قدراتُ الطرفين على إدارةِ الزمنِ والجغرافيا والنيران، فيما يبقى المدنيّون على جانبي الحدودِ الحلقةَ الأضعف ما لم تُترجَمِ المؤشّراتُ السياسيّةُ إلى خطواتِ خفضِ تصعيدٍ ملموسة.