من أين سيردّ الحزب وكيف ومتى؟

ليست المرّة الأولى التي يُطرح فيها السؤال، كيف ومتى ومن أين سيردّ «حزب الله» على مسلسل العمليات التي استهدفت قادته، وخصوصاً منذ التوصل إلى الاتفاق على وقف الأعمال العدائية منذ سنة؟ وقبل انتظار أي جواب شافٍ غير متوفر، يدرك المراقبون انّ ذلك لن يحصل بَعد، لأسباب كثيرة، وليس أقلّها عدم توافر القدرة، وربما عدم انتفائها، في ظل السيطرة الإسرائيلية على أجواء البلاد وقدرتها على رصد أي تحرّك. وعليه ما الذي تغيّر اليوم؟

واستناداً إلى هذه المعادلات، التقت مراجع ديبلوماسية وعسكرية على انّ شيئاً جديداً لم يطرأ بَعد لرصد اي متغيّرات محتملة في ردّ فعل الحزب على ما انتهت إليه الاغتيالات التي طاولت قادته وكوادر الصف الأول الذين استُهدفوا بالجملة تارة او بالمفرق في أكثر من منطقة لبنانية. ذلك انّه لم تبق منطقة محمية من أقصى الجنوب إلى اقصى الشمال وفي البقاعين وجبل لبنان، وقد طاولت عدداً من قادته الذين سلموا من فصول الحرب وبعضهم نجا من أكثر من عملية كانوا هدفاً لها.

وعليه، قالت هذه المصادر، انّ العمليات النوعية التي نفّذتها إسرائيل، زرعت الشكوك باستحالة النفاذ من أي عملية تستهدف شخصاً معيناً أياً كان موقعه او قدرته على التخفّي، بدليل سقوط عدد منهم في أماكن مأهولة وفي طبقات عليا من مبانٍ سكنية لا تتوافر فيها أي وسائل الحماية التي تحصّنها تجاه ما يمكن أن تفعله الصواريخ الخارقة التي تستخدمها المسيّرات كما الطائرات النفاثة بطريقة دقيقة جداً، مهما كانت الخسائر الجانبية التي يمكن ان تُلحقها بالمدنيين او الممتلكات التي تتعرّض لأضرار كبيرة يستحيل ترميمها.

وإلى هذه الأسباب الشكلية، يتوقف المراقبون أمام قدرة الرصد الإسرائيلية التي تستخدم بنك أهداف لا ينضب، بفعل ما يجري تزويده من معلومات دقيقة شبه يومية. بحيث يمكنها أن تحدّد المسؤوليات الجديدة لأي شخصية مستهدفة أياً كان موقعها او اختصاصها، ولو كانت قد تسلّمته في فترة قياسية تزامنت مع انتقال المسؤولية من السلف إلى الخلف، بعدما اغتيل الأول إبان الحرب الأخيرة او بعدها أو انّه اعتزل، كما بالنسبة إلى الذين اغتيلوا بعمليات «القنص الصاروخية» التي استهدفت حتى الأمس القريب عشرات منهم بأرقام فاضت على 330 شهيداً بمن فيهم بعض المدنيين الذين صودف وجودهم بالقرب من المستهدفين. وكل ذلك يجري دورياً ومستداماً منذ التوصل إلى تفاهم 27 تشرين الثاني 2024، الذي قضى بـ «تجميد العمليات العسكرية» ولم يرق إلى وقف للنار.

والملاحظ انّ ما يحصل له ما يبرّره أحياناً، ذلك انّ هناك بعض البنود في هذا التفاهم وملحقاته قد أعطت الطرفين – أي اسرائيل و»حزب الله» - حق الردّ على أي خرق محتمل، إن كان من طرف واحد، على رغم من أنّه ما زال قائماً وبطريقة شبه يومية من الجانب الإسرائيلي، من دون رصد أي خرق قام به الحزب أياً كانت العمليات التي استهدفته وما تسببت به من مظاهر الألم والوجع على أكثر من مستوى عسكري وأمني وسياسي واستخباري. وهو أمر لم يغيّر شيئاً في مجرى العمليات العسكرية التي تجاهلت من خلالها إسرائيل لجنة «الميكانيزم» المكلّفة مراقبة التفاهم، متكئة على ما سُمّيت «ورقة الضمانات الأميركية» التي تترجم مضمونها في كل بيان رسمي تعلن فيه تل أبيب عن أي عملية قامت بها سواء في غزة او لبنان واليمن وسوريا، كما تلك التي نفّذتها في إيران قبل الضربة الأميركية للمفاعلات النووية في نهاية حرب الأيام الـ12 التي شهدها الثلث الأخير من حزيران الماضي.

على هذه الخلفيات، تعترف المراجع نفسها بصعوبة تقدير الردّ الذي يمكن الحزب أن يلجأ اليه إن قرّر الانتقام لأي من قادته الجدد إلى درجة الاستحالة، أياً تعددت الأسباب المعروفة وتلك المغلفة بأوراق رقيقة. وهو أمر يقرأه الجانب الاسرائيلي بكثير من السيناريوهات الغريبة العجيبة لمحاكاة الداخل الإسرائيلي بغية مواجهة النقمة العارمة والمتعاظمة يوماً بعد يوم، فيتوسع في بناء سيناريوهات تتحدث عن «قدرات هائلة» ما زالت لدى الحزب، وهي تهدّد أمن سكانه ومنشآته في المناطق الحدودية والداخل بطريقة لا يستقيم فيها منطق. وخصوصاً عندما يتحدثون عن عمليات في الخارج او في مناطق لا تخطر في بال أحد. ومنها تلك التي قيل انّها تحاكي عملية تسلل في اتجاه الجليل الأعلى، فيما الحزب بات غائباً عن خطوط المواجهة الحدودية وحتى إلى ما بعد مجرى الليطاني بطريقة شبه رسمية تؤكّدها المراجع العسكرية اللبنانية وقوات «اليونيفيل» وأعضاء «الميكانيزم» في تقاريرهم اليومية وفي نهاية جولاتهم الجنوبية من وقت لآخر، للإطلاع على ما أنجزه الجيش من تفكيك وتدمير للمراكز والأنفاق ومصادرة الأسلحة المخزنة فيها.

واستناداً إلى ما تقدّم، تسخر المراجع العسكرية والاستخبارية ومعها الديبلوماسية من بعض السيناريوهات الإسرائيلية الهمايونية التي تتحدث عن حالات استنفار لقواتها في الشمال وبعض أجهزتها، بعد ربط إمكان توسع عملياتها العسكرية بردّ مفقود من الحزب، لمحاكاة المجتمع الإسرائيلي المتوجس من كل أشكال الحرب، والحديث عن احتمال حصول مزيد من فصولها، في وقت تواصل قواتها البرية التوغل في القرى اللبنانية والسورية بلا أي رادع يسمح لها أيضاً بمسح جوي مماثل لأجواء البلدين ومراقبة ليلية ونهارية لأدق التحركات حتى المدنية منها، على وقع نظريات إسرائيلية تتحدث عن مخاطر كبرى ما زالت تهدّد الكيان الإسرائيلي في وجوده.

وإلى هذه المعطيات كافة، تنتهي المراجع عينها إلى التأكيد انّ توقّع أي ردّ للحزب ما زال غائباً عن كل الحسابات الدقيقة والهامشية. وأياً كان حجم الحديث المتنامي عن انقسام مزعوم في قيادة الحزب بين متردد وداعٍ إلى الردّ العسكري، فإنّها تدرك أنّ لا الظروف السياسية ولا العسكرية تسمح بأي خطوة في هذا الاتجاه، فكيف إن كانت كل السيناريوهات تؤدي إلى مزيد من الضربات الموجعة التي لم يعد يتحمّلها البلد ولا البيئة الحاضنة للحزب، التي اقتربت من مرحلة انفجار داخلي لم يعد مدار تنظير بعيد من الواقع، إن تغيّرت بعض المعطيات في البلد والمنطقة في أي لحظة.