المصدر: نداء الوطن
الكاتب: ماريان زوين
السبت 29 آذار 2025 06:56:45
"ما عندكن غير هالسلاح تحكو فيه؟"، سؤال وُجّه أكثر من مرّة لأصحاب المواقف الواضحة والتي لا تتلوّن بحسب المصالح الخاصّة، لأشخاص يشدّدون كلّ مرّة على أهميّة بدء أي إصلاح من خلال نزع سلاح المجموعات غير الشرعية في لبنان فوراً ومن دون تأجيل ولا حجج... أصحاب هذا السؤال هم قسمان، بين جاهلٍ ذي نيّة حسنة لكن لا يدرك أنّ السلاح ونواياه، خطّان لا يلتقيان، وبين عالِمٍ دقيق لما يقوم به من تضليل للرأي العام بهدف الحفاظ على سلاحه وتحقيق مآربه السلطويّة في الدّاخل اللبناني، ومكاسبه التفاوضيّة في لعبة المساومات الإقليميّة. وللطرفين يُكتب هذا المقال.
لفتني منذ يومين جهد بذلته جمعيّات وهيئات رقابيّة لاستخلاص مؤشرات الشفافيّة في العمل البلدي، والذي يجب على كلّ مواطن أن يدركها، كي يحسن المحاسبة والخيار في الانتخابات البلدية المقبلة. تعمّقت في الموضوع وفكّرت بالكتابة عنه إلى أن فرض الحدث نفسه: إطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني باتّجاه إسرائيل وردّ إسرائيلي شمل لأوّل مرّة منذ إعلان وقف إطلاق النار، الضاحية الجنوبيّة لبيروت.
عادت إنذارات المتحدّث باسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي تنتشر، "دخيل الله خلص تعبنا" جملة من آلاف، عبّرت عن القلق من جولة قتال جديدة، ارتفعت أصوات التلاميذ الذين هرولوا هرباً من المدارس القريبة من المبنى المهدّد، فيما ازدحم السّير بـ"المبتعدين" 300 م. عن التهديد بطلب من أدرعي".
العائلات اللبنانية التي تنتظر أقاربها القادمين من السفر لتمضية عطلة العيد تساءلت ما إذا كان خيارهم صائباً بالمجيء. أصحاب الفنادق والمطاعم الذين وُعدوا بموسم سياحي حافل في الربيع والصّيف، والذين على أساسه قاموا باستثماراتهم الجديدة، عادوا إلى دفتر حساباتهم وتساءلوا: "محرزة؟ ما بقا نحمل خسارات".
رياضياً، وعلى صعيد بطولة لبنان لكرة السلّة كتب أحدهم: "هلّق بعد بيجي أجنبي يمضي معنا؟" عن أي معايير شفافيّة في العمل البلدي سأكتب، والانتخابات البلديّة بحدّ ذاتها، يتمّ التخوّف من تأجيلها أو إلغائها مع كل ضربة "صاروخ".
المشاريع الضروريّة لإصلاح هذا الوطن لا تعدّ ولا تُحصى، يمكن الحديث عنها ويجب العمل لأجلها، ولكن أحببنا أم لم نحبّ، كل تلك المواضيع تصبح ثانوية أو "مش وقتها"، أمام حقيقة واحدة: وطن بأكمله رهينة قرار لا يملكه. ما حصل يوم الجمعة أكبر دليل على ذلك. مجدداً، يجد اللبناني نفسه أمام خطاب الإصلاحات الذي يتكرّر حول طاولات المؤتمرات والندوات واللقاءات، يندفع إلى العمل، يحاول التغيير، حتّى يفرض عليه خطاب السلاح غير الشرعي أمراً واقعاً مختلفاً تماماً: فيقرّر متى يكون السلم ومتى يكون الحرب، متى تُجرى الانتخابات ومتى تُلغى، متى يكون هناك اقتصاد ومتى ينهار كل شيء.
الحقيقة واضحة، لا أفق لكلّ الخطط الإنقاذية، ولا الإصلاحات الإدارية والمالية ولا مكان للمشاريع التنموية إذا كانت ستنتهي كل هذه الجهود عند أول تهديد أمني، عند أول مغامرة عسكرية لا رأي للبنانيين فيها؟ ليس هناك استقرار اقتصادي من دون استقرار أمني، ولا استقرار أمنياً في ظل وجود سلاح خارج الدولة.
لبنان الرسمي يدرك جيداً هذه الحقيقة، والمجتمع الدولي كرّر النصيحة في هذا الإطار أكثر من مرّة. فقد علمت "نداء الوطن" أنّ في كواليس الدبلوماسيّة الغربيّة، يدور حديثٌ عن صعوبة ما قد يواجهه لبنان في الفترة المقبلة إن لم يلتزم بالقرارت الدّولية، ويتمّ نزع سلاح "حزب الله". هذا وكان الموفد الفرنسي جان إيف لودريان حمل منذ أيام إلى المسؤولين في بيروت رسالة واضحة: "من مصلحة لبنان أن يجد صيغة ما للتجاوب مع الطرح الأميركي لجهة التفاوض مع إسرائيل"، وقد فهم من الحديث مع لودريان أنّ مستقبل لبنان لن يكون بعيداً من الكوارث إذا تعنّت لبنان الرسمي ورفض الطرح.
والجمعة أتت التصريحات الأميركية لتضع النقاط على الحروف من دون "لفّ ولا دوران". نائبة المبعوث الأميركي مورغان أورتاغوس والتي يتحضّر لبنان لاستقبالها الأسبوع المقبل، أكّدت للـ MTV ما يعرفه الجميع، لكن يتجاهله البعض أو يختبئ خلف عبارات خشبية لا معنى لها "أميركا تؤكّد ضرورة نزع سلاح "حزب الله" بالكامل، تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، والبدء بدبلوماسية مباشرة بين لبنان وإسرائيل". وتابعت "نتواصل مع شركائنا لإعادة إعمار ما دمر في لبنان لكن لن نسمح بتكرار 2006 في الإعمار"، مؤكدة أنه لا يجب أن تكون هناك دولة داخل الدولة في لبنان.
المطالب الدّولية لا يصعب فهمها، وتتقاطع مع المطالب المحليّة، باستثناء نكران البعض الذين قرّروا أن يبقوا رهائن لعقائد بالية ولحسابات إقليميّة لا مصلحة لهم ولا للبنان بها. أمام هذا الواقع على لبنان الرسمي أن يحسم قراره، ويطبّق ما يعد به في خطاباته وبياناته، الآن وفوراً وضمن مهلة زمنيّة محدّدة. فقد ثبت أنّه لن يتمّ بناء أي شيء في لبنان إن لم تكن الأرضيّة صلبة، ولن تكون كذلك من دون حلّ معضلة "الدويلة" داخل الدولة". إن نزع السلاح لا يتطلّب استراتيجيات ولا حوارات ولا مساومات، هو قرار كُتب واتّفق ووقّع عليه، هو ليس موضوعاً للنقاش، بل هو ضرورة وجودية لأي دولة تريد أن تكون دولة. كل تأخير في هذا الملف يعني المزيد من الانهيارات، على كل المستويات، السياسية، الاقتصاديّة، الفنيّة والرياضية... انزعوا السلاح اليوم قبل الغد، "تنتفضّى نحكي بغير السلاح!"