من الذي يفتح هاتفه في مجلس الدفاع الأعلى؟

كتبت ملاك عقيل في أساس ميديا:

مرّ يومان على كارثة انفجار عكار وتماسيح السلطة لم تُقدِم على خطوة ما تكسر الحلقة المُفرغة "الشيطانية" باستثناء تسريبات  تتحدّث عن قرب تأليف حكومة في ظل مشهدٍ سوريالي: سعد الحريري يطالب بـ"رحيل" رئيس الجمهورية الذي يُفترض أن يوقّع مراسيم الحكومة مع نجيب ميقاتي الذي بدوره حظي بغطاء تيار المستقبل للتكليف بعد تراجع الحريري نفسه عن قرار أعلنه سابقاً برفض التسمية في استشارات التكليف، وذلك ردّا على وصف عون عكّار بأنّها موطن "الجماعات المتشدّدة".

أمّا رئيس مجلس النواب نبيه بري، الشريك المضارب في تأليف الحكومة بعد الحريري، فقد شنّت قناة "إن بي إن" المحسوبة عليه قبل أيام هجوماً "صاروخياً"  على ما سمّته "عهد الفساد القوي الذي لم يُبقِ شيئاً على حاله، لم يُبقِ حجراً على حجر في الجمهورية. عهدٌ كالجراد لم يوفّر لا الأخضر ولا اليابس من مقدّرات الدولة ودستورها وقوانينها ومالها في سبيل خدمة أجندات عائلية... عهدٌ يريد أن يبتلع كل شيء ويضعه في رصيد حسابيه البنكي والسياسي، وبطنه كبطن حوت لا يشبع، عهد يقتل الشعب كل لحظة في لقمة عيشه وكل تفاصيل معيشته، ولشدة وقاحته يمشي في الجنازة"، متّهمة "تحالف رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل بتغطية كل عمليات الفساد".

وفي ظل الحرب المفتوحة على جبهة برّي – الحريري وعون – باسيل، وتمترس حزب الله الثابت في الوسط مع دعوة أطلقها أمينه العام السيد حسن نصرالله إلى "تأليف الحكومة فوراً بأي شكل وبأي ثمن، وبالخروج من الشروط والشروط المضادة"،  انعقد اجتماع بين عون وميقاتي يوم السبت في قصر بعبدا بعيداً من الإعلام، وغاص في تفاصيل التأليف.

وأمس عُقد اللقاء العاشر فـ"نَسَف" جزءاً من الإيجابية التي سادت في الإعلام والأروقة الداخلية، وعَكَسها ميقاتي بتصريحه قبل المغادرة، إذ تحدّث عن وجود "مشاكل" لم تذلّل بعد، وأنّ نسبة التأليف أكبر من نسبة الاعتذار، "لكن لا شيء يثبت ذلك حتّى الآن".

ووفق المعلومات، تمّ تجاوز عقبة الحقائب السيادية عبر التوافق على بقاء التوزيع على حاله، فتبقى  الداخلية مع السنّة، والمال مع الشيعة، والخارجية لماروني، والدفاع لأرثوذكسي. وجرى التركيز أمس على المفاضلة بين بعض الأسماء لحقائب لم يحسم توزيعها بعد.

وسبق لقاء الاثنين موقف أميركي من قصر بعبدا بعد اجتماع السفيرة دوروثي شيا مع الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية عبر دعوتها "إلى حكومة ذات صلاحيات تركّز على الإصلاح"، وموقف آخر لعون يشير فيه إلى "ولادة الحكومة خلال أيام"، ورفضه "الاستقالة والتراجع عن مهامه".  

 لكن ذلك لا يلغي واقع تأكيد محيطين برئيس الجمهورية أنّ "التجربة وحدها قد تعيد الثقة بميقاتي لكونه "مجرّباً"، وخفايا تجربة 2011 الوزارية كانت كفيلة بعدم السير به كآخر رؤساء حكومات العهد، لكن الخيارات كانت محدودة جداً، والفرنسيين دفشوا باتجاهه. والموقف السياسي الأوضح تُرجِم من خلال عدم تسمية التيار الوطني الحر له. وعملياً،  لا يمكن تجاهل أنّ ميقاتي تَعاونَ وقطع مراحل عدّة خلافاً لأداء الحريري بعد تكليفه".

وتكتمل الصورة بمحاولة اقتحام منزل نائب طرابلس نجيب ميقاتي  في وسط بيروت ردّاً على مجزرة عكار، الأمر الذي اعتبره الأخير بمثابة رسالة سياسية من دون أن يحدّد هوية مُرسلها، لكنها استدعت استنفاراً أمنياً فوق العادة لإبعاد بضعة محتجين.

عملياً، لا يزال ميقاتي يخوض "الجهاد الأكبر" للتوافق مع ميشال عون على حكومة طارت "نظرياً" مسوّدات تشكيلها بمجرد إطلاق الحريري، وللمرة الأولى منذ خلافه الحاد مع رئيس الجمهورية، الدعوات إلى "رحيله"، رافعاً من منسوب التشنّج الطائفي الذي لطالما كرّر الحريري حرصه على "تنفيسه".

وهو كلامٌ، وفق متابعين، أزعج الرئيس المكلّف الذي رأى فيه تشويشاً على "الفرصة" الأخيرة لولادة حكومة تستطيع أن تنقذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان برعاية الفرنسيين والأميركيين. وما لا يساعده أيضاً، وفق قريبين من ميقاتي، تعنّت عون حول بعض الحقائب والأسماء.

والأهمّ أنّ نائب طرابلس استفزّته جولات المصارعة بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر بعد وقوع انفجار عكار، وهو العالِم، برأي قريبين منه، بمسؤولية الطرفين عن عدم معالجة أزمة التهريب إلى سوريا بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، ومع تسليمه بأن النفوذ الأكبر في عكار هو لتيار المستقبل. والمفارقة ترجمت من خلال عدم مجاراة نادي رؤساء الحكومة لـ"نَفَس" الحريري الهجومي غداة انفجار عكار عبر "وجوب مبادرة رئيس الجمهورية وكل الأطراف السياسيين الفاعلين فوراً إلى فكّ العقد التي لا تزال تحول دون تأليف الحكومة حتى الان".

وقد بات ميقاتي يتوجّس فعلًا من صعوبة العمل في "حقل ألغام الخلافات السياسية الحادة لقوى تشارك بشكل غير مباشر في تأليف الحكومة واختيار الوزراء، وهو ما يمكن أن ينقل "حرب المقرّات" لاحقاً إلى داخل الحكومة نفسها".  

في سياق آخر، كان لافتاً جداً تبنّي موقع "لبنان 24" لخبر جرى التداول به بعد نشر الحريري على حسابه تغريدةً، فور انتهاء اجتماع المجلس الأعلى للدفاع يوم الأحد، يتساءل: "كيف يجيز رئيس الجمهورية لنفسه أن يقفز فوق أوجاع الناس في عكار ليتحدّث في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع عن أنشطة جماعات متشدّدة لخلق نوعٍ من الفوضى والفلتان الأمني في الشمال".

وقد نَشَر موقع ميقاتي خبراً سرّبته جهات رسمية مفاده أنّ "أحد المشاركين في اجتماعات ذات طابع رسمي يقوم منذ فترة إما بتسجيل الحوارات التي تحصل داخل الاجتماع أو بفتح هاتفه الخلوي في اللحظات الحاسمة من الاجتماع لإطلاع جهة سياسية على ما يتم تداوله". ولم يفُهِم إذا كان المقصود بالجهة السياسية الرئيس الحريري أو غيره.