المصدر: نداء الوطن
الكاتب: جيمي فرنسيس
الجمعة 5 أيلول 2025 07:38:28
شكّلت جلستا مجلس الوزراء المنعقدتين في 5 و7 آب الماضي محطة مفصلية في تصويب ما تراكم من هرطقات وتشويه “مصطلحي” ولغوي على مدى خمسة وثلاثين عاماً مضت.
فقد جرى التلاعب بمفاهيم دستورية أساسية عبر عبارات وشعارات استُخدمت لتعطيل الحياة الديمقراطية والمؤسسات، أبرزها: "الديمقراطية التوافقية"، "الميثاقية"، و"المقاومة".
"نحن في أزمة حكم يفترض فيها تغيير الأداء السياسي … في مفهوم الديمقراطية وفي حكم الأكثرية وحقوق الأقليات"، قالها فخامة الرئيس جوزف عون في خطاب قسمه، مشيراً إلى ضرورة إسقاط التشويه الذي كان يطال الديمقراطية يوم كان يتم تعطيل تشكيل الحكومات بحجة مشاركة الجميع، وكذلك تعطيل أي محاسبة لهذه الحكومات. أما الحكومة الحالية، فقد أكدت في بيانها الشهير أيضاً أن "اعترت الدولة خلال السنوات والعقود المنصرمة شوائب عديدة وأربكت فعاليتها وقلّصت من نفوذها وانتقصت من هيبتها"، وأضافت: "ويقتضي أيضاً تصويب التطبيقات المخطئة التي شابتها عبر السنين". كلها اعترافات وتأكيدات تُصيب التشويه الذي طال الديمقراطية وحوّلها إلى "الديمقراطية التوافقية". وانطلاقاً من هذه الإصلاحات، كرّست جلستا 5 و7 آب دستورية وديمقراطية القرارات الحكومية.
أما بالنسبة إلى الميثاقية، وهي الأداة الأبرز التي اختلقها الثنائي واستغلها لتعطيل حياة اللبنانيين وابتزازهم طيلة عقود منصرمة، فقد أسقطها رئيس الحكومة نواف سلام منطلقاً من تأكيده أن الميثاقية طائفية وليست مذهبية، وأنها بين جناحي لبنان المسيحي والإسلامي، لا بين المذاهب كما مارسها الثنائي بالتهديد بقوة السلاح. وهو ما يعدّه اليوم تهديداً إضافياً قد يؤدي إلى خسارتهما ورقة تعطيل القرارات الحكومية تحديداً. ولم يكتفِ الرئيس سلام بإعلان موقفه، بل تخطاه إلى تثبيت القاعدة الدستورية في الجلستين الشهيرتين، باعتبار أنهما دستوريتان وميثاقيتان بقراراتهما، ما رفضه الثنائي وقَبِله الأفرقاء اللبنانيون الآخرون كافة.
اليوم، وبعد استرجاع الدولة المفاهيم الصحيحة لتطبيق الدستور والقوانين، يتمسك الحزب وبعض الجهابذة التابعين بمفهوم “المقاومة” استناداً إلى المادة الثانية من الدستور اللبناني التي نصّت على أنه “لا يجوز التخلّي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنها”، على اعتبار أن المقاومة واجب بعد فشل الدولة أو عدم قدرتها على التحرير. لكنهم بذلك يشوهون المفهوم الحقيقي للمقاومة “الوطنية” التي لا تمت بصلة إلى تاريخ “المقاومة الإسلامية في لبنان”. يضاف إلى ذلك التشويه المعتمد من قِبل من أصرّ على تسمية تنظيم مسلح مدان باغتيال رئيس حكومة لبنان ومتهم باغتيال شخصيات سياسية انتمت إلى خط ١٤ آذار، ومفكرين ومعارضين، تنظيم أعلن قائده تبعيته السياسية والدينية لدولة أخرى غير الدولة اللبنانية، تنظيم متهم بعمليات أمنية وعسكرية وجرائم وإبادة شعوب خارج الأراضي اللبنانية. كما تكشف المداهمات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية حالياً معامل تصنيع الممنوعات والكبتاغون في نطاقهم الأمني بهدف الاتجار بها. ولا ننسى المسؤولية المباشرة لهذا التنظيم الذي أعاد الاحتلال إلى جزء كبير من الأراضي اللبنانية ودمّرها نتيجة قرار إسناد لحرب لا علاقة للدولة اللبنانية بها. … إذاً، عن أي مقاومة يتحدث هؤلاء!؟
وقاحتهم لم تقتصر على ذلك، فحالة الجنون التي تعتريهم أدت إلى التلويح بأن رئيس الجمهورية يخالف الدستور كونه المؤتمن على تطبيق المادة ٤٩ منه، التي تنص على أنه المسؤول عن “المحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه”. وهم أنفسهم من ضرب استقلالية لبنان وأتبعوه بولاية سياسية دينية غريبة عنه، ويهددون وحدته بخطابات مشايخهم التي تدعو إلى الحروب الأهلية، وأدّت إلى احتلال أراضيه بشكل مباشر!
كفى عبثاً بعقول اللبنانيين وبمصيرهم! فالدستور واضح، والقرارات واضحة، والدولة استعادت حقها في الحكم. ومن يصرّ على اختراع أعذار جديدة للتعطيل أو لتبرير هيمنة السلاح، إنما يقود نفسه أولاً إلى سقوط حتمي، قبل أن يسقط معه كل الأقنعة.