من طابور إلى آخر... كيف تحولت معيشة اللبنانيين إلى جحيم؟

بعد أزمات البنزين والخبز والدواء، اصطف اللبنانيون في طوابير طويلة لتعبئةِ قوارير الغاز، بعدما كثر الحديث، يوم السبت الماضي عن أزمة مقبلة، في حال لم يُحَول مصرفُ لبنان اعتمادات لشراء حمولة الباخرة المحملة بالغاز.

في كل يوم، تنفد مادة حيوية من الأسواق اللبنانية، وسط استياء عارم واتهام المواطن للدولة بشن بحرب ممنهجة على الشعب ويبادر المعنيون لرفع الصوت عبر الإعلام، فيما يضطر اللبنانيون للوقوف في الطوابير من أجل تأمين المواد الضرورية.

ويقول المنتقدون إن اللبناني بات في دائرة رسمها مخططو الانحدار نحو الجحيم، إلا أن المؤكد أن نيرانها ستصيب اللبنانيين الذي يكتوون بأشعة شمس أغسطس في "طوابير الذل".

ويتساءل الساخطون إزاء الأوضاع، حول ما إذا كان لبنان سيدخل موسوعة "غينيس" بالرقم القياسي لعدد الطوابير بعد انتشار المواطنين في الأيام الأخيرة أمام الأفران خوفاً من فقدان لقمة الخبز وأمام متاجر بيع الغاز خوفاً من المجهول".

ويقول أبو سامر، وهو رب أسرة في البقاع "العتمة أطبقت على أنفاس الشعب لعدم توفّر المازوت، وبات على المواطن أن يشتري هذه المادة بسعر صرف الدولار من السوق السوداء، علماً بأنه يقبض راتبه بالليرة اللبنانية.

وأضاف أبو سامر في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، "راتبي صار يساوي 28 دولارا، ماذا أشتري به؟".

وأكد صديق أبو سامر الذي كان يبحث عن الغاز في الجهة المقابلة، هذا الواقع المر، فتساءل بدوره "كم وجبة يمكن أنْ تُحضّر في البيت، حتى من الحبوب، ونحن الآن نبحث عن غاز للطهي؟ الوضع بات مأساوياً جداً ربما لم نعد في لبنان الذي نعرفه، صار حال العديد من دول العالم الثالث أفضل بكثير من حالنا؟".

ومع انتشار ما صار يوصف بـ"طوابير الذل" أمام الأفران، أخذ الأمر منحى خطيراً أمام محطات البنزين، فالسلاح بدأ يتنقل بين السيارات ويخلق حالة ترهيب وصفها أحد المواطنين ل" سكاي نيوز عربية" بما يشبه اتفاقاً معيناً مخفياً بغية إغلاق المحطات".

احتكار للخبز ولقمة المواطن

انتقل مشهد التقنين حتى في بيع الرغيف، فقد ارتفعت الأسعار بصورة متتالية وسريعة للغاية وبدأ استغلال حاجة المواطن، وهذه المشاهد ليست جزءاً من سيناريو فيلم سينمائي بل هي وصف لما يدور أمام متاجر الخبز في لبنان.

ويبدي كثيرون حسرة حيال ما يحصل، قائلين إن الذي كان معروفا بالعلم والثقافة والحضارة والإشعاع، ينحدر بسرعة مخيفة نحو العنف والجوع مع دخول الخبز إلى السوق السوداء، فقد استغلت بعض المتاجر حاجة الناس لتبيع الربطة بـ15 ألف ليرة (بعدما كانت تُباع بحوالي 2000 ليرة قبل الأزمة)، في مقابل إقفال كثير من الأفران أبوابها.

وبدأ لبنان، لا سيما في المناطق الواقعة خارج العاصمة بيروت، العمل باتجاه العودة إلى أنماط العيش البدائية، وهذا المشهد لا يقتصر على منطقة فحسب، بل انتشر في مختلف المناطق اللبنانية.

ويلجأ بعض أبناء الجنوب، وتحديداً نساء القرى، إلى إعداد الخبز المرقوق، وأكدت السيدة الجنوبية، أم جواد، من سكان مدينة صيدا لموقع" سكاي نيوزعربية"، أن حجم المعاناة كبير، وقالت"وصل الأمر باللبناني إلى البحث عن لقمة الخبز، وعليه قطع كيلومترات طويلة على الأقدام للحصول عليها".
وأضافت "بعض الأفران حددت عدد الربطات التي يمكن بيعها للزبون، فيما حددت أفران أخرى سقف عدد الأرغفة وهناك من امتنع عن بيع الخبز لغير أبناء منطقته أو جيرانه".

وتتحدث أم رواد في شمال لبنان عن "استدانة ربطة خبز من عند الجيران، وتقسيمها حصصاً على أعضاء الأسرة"، فيما يروي آخرون عن نزولهم في أوقات مبكرة جداً للحصول على دور في طابور الخبز ".

وأوضح علي منصور (موزع خبز) في لبنان لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الخبز في معظم المناطق بات يباع في السوق السوداء، حتى في منطقة سكنه في ضاحية بيروت الجنوبية، حيث يصل سعر ربطة الخبز إلى 15 ألف ليرة.
وأضاف منصور "بتنا نوزع نسبة قليلة لا تتعدى 20 في المئة من الوضع الطبيعي، ووصف الوضع بالصعب على الموزعين وكل المواطنين، قائلا "لم تعد لدينا القدرة على تأمين البنزين لنذهب الى عملنا كموزعين، نشتري البنزين من السوق السوداء بسعر 400 ألف ليرة للصفيحة الواحدة سعة 20 لترا".

وأشار إلى حركة غريبة تحصل يوميا، من خلال مجموعات تملك سيارات كبيرة تشتري كميات الخبز وتبيعها بسعر 15 ألف ليرة، ناهيك عن أطفال الشوارع الذين يبيعون الخبز عند المستديرات، وختم "لا نقابة لدينا وفي حال وجدت لن تفعل الشيء الكثير".