مَن قصف الجليل الأعلى... من كلفه وما هي مهمته والحصيلة؟

 في سرعة قياسية أحيت الصواريخ الستة التي انطلقت من جنوب لبنان باتجاه مستوطنة المطلة في الجليل الاعلى السيناريوهات القديمة التي كانت تنسب الى مجموعة غير منضبطة او "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" التي كانت ما زالت تحتفظ بمجموعة من صواريخ الكاتيوشا الروسية الصنع التي توقف استخدامها قبل تسعينيات القرن الماضي وكانت تطلق من مناطق مختلفة في الجنوب. وكما في كل مرة فقد وصلت اربعة منها الى الاجواء الاسرائيلية عندما تصدت لها القبة الحديدية فوق مستوطنة المطلة وسقط اثنان منها ضمن الأراضي اللبنانية.

تعليقا على هذه المعادلة بكامل وقائعها، قالت مصادر ديبلوماسية وسياسية لـ "المركزية" ان وفي معزل عن حصيلة الغارات الاسرائيلية التي تلاحقت والتي احصيت بـ 80 غارة اضافية على 120 اخرى توزعت بين لبنان وسوريا منذ فجر اول امس الجمعة وما حصدته من ارواح قدرت بسبعة شهداء وقرابة عشرين جريحا في الجنوب والبقاع، لا يمكن تجاهل أنها شكلت في توقيتها ردا على عملية إطلاق الصواريخ الجنوبية اليتيمة صباح أمس، وهو ما قرأته مراجع سياسية وعسكرية بعيون  أخرى تترجمها  سيناريوهات عدة  تحاكي أكثر من طرف وساحة. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

-أولها بديهي ،وقد يكون الأكثر بديهية، لأن الساحة الجنوبية تفهم مثل هذه العمليات. قد لا يكون بعيدا ان من اطلق الصواريخ أراد ان يعطي اسرائيل الحجة للقيام بضربات جوية على أهداف محددة مسبقا بعدما تعددت الخروقات بلا سبب وجيه يسمح بها و يبررها. وهي أهداف لم تشملها العمليات العسكرية بعد ولا تختلف عن سابقاتها سوى أنها استهدفت معظمها مناطق غير مأهولة ما خلا الغارة التي استهدفت بلدة تولين والتي أسفرت عن سقوط 4 شهداء مدنيين وعدد من الجرحى وسقوط ثلاثة آخرين في مناطق اخرى. كل ذلك جرى قبل الكشف عن اغتيال احد القادة العسكريين في "حزب الله" رضوان سليم عواضة الملقب بـ "ابو ناصر" من بلدة شيحين وسكان برج الشمالي في الجنوب والذي نعاه الحزب قائدا شقيقا لشقيق آخر  على طريق القدس بعدما كشف الاعلام الاسرائيلي عن كامل هويته ودوره.

 - ثانيها: قد تكون إسرائيل رفعت بغاراتها الواسعة وعددها المكثف مستوى التحذيرات بضرورة الاسراع بمعالجة ملف سلاح "حزب الله" في مختلف المناطق اللبنانية من شمال نهر الليطاني الى اقصى الحدود الشمالية - الشرقية وعمق مناطق البقاع وجبل لبنان وهو ما دلت اليه خريطة الغارات التي رسمت حدودا لهذه المساحة المحددة وان تأجيل البحث بمصيره على عاتق الحكومة اللبنانية وليس على مسؤولية اي جهة كانت عربية او غربية.

- ثالثها ان بعضا من الساعين الى تسويات داخلية تتجنب مصير السلاح غير الشرعي او تأجيل البحث فيه، لم يفهموا الرسالة الواضحة التي لم يرغب بعد احد بان يكون صريحا في الكشف عنها وما زالت في الكواليس الرسمية على اعلى المستويات. فحديث المسؤولين عن التزام "حزب الله" بـ "التفاهم لتجميد العمليات العدائية" ورغبتهم باعتباره "وقفا نهائيا لاطلاق النار"، لا يصرف في اي عاصمة عربية او غربية من المعنيين بالمساعدة باطلاق مسيرة التعافي والانقاذ وتغيير الوضع في لبنان الى ما هو افضل، والانتقال الى مرحلة تثبيت وقف النار وبرمجة الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الاراضي اللبنانية واطلاق العمل في اللجان الثلاثة التي تقرر تشكيلها في اجتماع الخماسية العسكرية قبل اسبوعين للتفاهم على النقاط الـ 13 وتثبيت الحدود واستكمال الافراج عن باقي المعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية.

ورابعها: ان ما حصل مرشح ليكون حلقة من مسلسل طويل الأمد ما لم يسرع اللبنانيون باتخاذ الخطوات العاجلة المطلوبة من أجل الانطلاق بورشة الإصلاحات المطلوبة والتحضير لمرحلة الإعمار  التي لم يتحدث عنها أحد حتى اليوم ،وسط معلومات عن تأجيل البحث بتحديد الموعد المرتقب لمؤتمر كانت باريس تسعى اليه من أجل وضع اللبنة الأساسية لبرامج المساعدة قبل اتخاذ القرارات السياسية والأمنية المطلوبة داخليا.

إزاء هذه السيناريوهات الاربعة تعترف مراجع سياسية وعسكرية انه بالامكان الحديث عن أخرى إن أراد البعض الدخول في الكثير من التفاصيل التي لا يمكن الاشارة اليها قبل التثبت من امكان تنفيذها وهي تلتقي جميعها عند رسالة واضحة على أهل الحكم في لبنان ان يقنعوا مسؤولي الحزب بمضمونها والسعي الى ترجمتها بأسرع وقت ممكن وقبل فوات الأوان .فهامش الحركة ضاق الى الحد الاقصى لمن يريد ان يعترف بذلك، وعدا عن ذلك امعان في إنكار ما انتهت اليه هذه الحرب.