المصدر: النهار
الكاتب: سابين عويس
السبت 23 تموز 2022 08:24:31
كتبت سابين عويس في النهار:
لم تمنع حال المراوحة القاتلة التي يعيش تحت وطأتها لبنان مع تعطل تشكيل حكومة جديدة وعدم بروز اي مؤشرات ايجابية حيال امكان تشكيلها في الوقت المتبقي الفاصل عن موعد الاستحقاق الرئاسي، منسق المساعدات الدولية للبنان والموفد الخاص للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون السفير بيار دوكان من المجيء الى لبنان، في زيارة هي الثانية في غضون الاشهر الستة الماضية.
صحيح ان لبنان لم يحقق أي تقدم على مستوى الاصلاحات التي طالما التزمها امام الاسرة الدولية عمومًا وباريس على وجه التحديد، بل انه يمعن اكثر فأكثر في الانهيار، وهو ما تلمسه دوكان نفسه وأسرٓ به امام مجموعة من الصحافيين في ختام لقاءاته الرسمية، في قصر الصنوبر اول من امس والى جانبه السفيرة آن غريو، وذلك في مقارنته للأوضاع في لبنان، وفق المؤشرات والارقام، الا ان هذا المشهد لم يقلل من عزيمة الرجل الذي يدرك انه يأتي في الوقت الضائع حتى انجاز الاستحقاقات الدستورية الداهمة، التي يمكن لها، اذا حصلت، ان تسمح بوضع توقعات واقعية حيال مستقبل البلد.
بدا دوكان في مقاربته لنتائج لقاءاته، أكثر تفاؤلاً نسبياً عما كان عليه في زيارته الاخيرة، مبرراً نفحة التفاؤل تلك بأنه لمس لدى المسؤولين الذين التقاهم رسميين او من القطاع الخاص تطوراً مهماً تمثل في تراجع نسبة الإنكار للواقع واستدراك لحجم المخاطر المقبلة على البلد فيما لو استمرت المعالجات على ما هي عليه اليوم.
عامل آخر لا يغفل ذكره في تعداده لأسباب تفاؤله النسبي يكمن في المسار الذي بدأ لبنان يسلكه من خلال توقيعه على مذكرة التفاهم مع صندوق النقد الدولي، تمهيداً لتوقيع برنامج معه. يؤكد في هذا السياق على ان لبنان ٢٠٢٢ غير لبنان ٢٠١٨ بعد مؤتمر "سيدر". هذا ما يدفع المسؤول الفرنسي الى تحديد بعض المسائل الاساسية التي أراد ابلاغها للبنانيين في مقاربته للابراج مع صندوق النقد.
يقول أولاً ان توقيع البرنامج لا يهدف الى ارضاء الاسرة الدولية، بل يجب ان يكون هدفاً في حد ذاته من اجل استعادة النمو وخلق فرص العمل.
على اللبنانيين ان يدركوا ان مقاربات الصندوق اليوم بعد الازمات التي عصفت بالعالم اخيراً قد تجاوزت الأبعاد التقشفية والاجراءات القاسية التي كانت تنفر الشعوب والحكومات، ولم تعد قائمة على برامج تصحيح مالي بل باتت تدفع اكثر في اتجاه مقاربة الأبعاد الاجتماعية من خلال برامج حماية فعالة.
ينأى دوكان عن الاعتراف بأن مؤتمر "سيدر" الذي كان عرٓابه، وكُلِّف بموجبه بتنسيق المساعدات الدولية للبنان قد انتهى. يفضّل القول انه وُضع على الرف، وانه أساساً برنامج استثماري لمشاريع، يمكن تحريكها في اي لحظة اذا اقترن ذلك بالإجراءات التشريعية والقانونية المطلوبة. يذكر في هذا المجال ان المؤتمر لم يكن يشترط برنامجاً مع الصندوق، فوضع لبنان كان أفضل. اما اليوم فلم يعد في الإمكان الخروج من الأزمة من دون برنامج.
يبدو جلياً من كلام المسؤول الفرنسي دوره في التسويق للصندوق على قاعدة انه لن يكون قادراً على الاضطلاع بمهمة تنسيق المساعدات الدولية المكلف بها اذا لم يكن هناك برنامج مع الصندوق الذي يشكل المدخل للحصول على الدعم الدولي. علماً ان هذا الدعم لن يكبد لبنان ديوناً جديدة، وهو ما حرصت السفيرة غريو على توضيحه، بل منح ومساعدات.
إذن، لا إصلاحات من دون الصندوق، ولا اموال من دونه، علماً ان المعادلة بالنسبة الى دوكان تكمن في ان الامر ليس مسألة اموال بقدر ما هو استعادة ثقة المانحين، وهذا لن يتم من دون بصمة الصندوق.
يضيف " حاولنا في "سيدر" ولم ننجح، وتدهورت الأمور اكثر وبات الصندوق الفرصة الاخيرة للانقاذ وإلا البديل سيكون الفقر والجوع.
في رأيه، التدهور السريع للأوضاع غيٓر الاولويات. لم تعد مسألة تحديد الخسائر وتوزيعها اولوية بل أصبحت جزءاً من الملفات المطروحة. يرفض الدخول في نقاش حول المسؤولين، لكنه يعترف بأسلوب دبلوماسي ان الجميع استفادوا وقد برزت معالم البحبوحة غير الواقعية على اللبنانيين من دون استثناء. ربما هذا ما دفع المسؤولين الى رفض الصندوق بداية اما اليوم فالجميع خرج من حال الإنكار.
يعوٓل دوكان في تفاؤله ايضاً رغم انه يأتي على مسافة أشهر قليلة من انتخاب رئيس جديد للجمهورية وعدم وجود سلطة تنفيذية على البرلمان المنتخب حديثاً والقادر على فتح ورشة تشريعية تنجز الكثير من المشاريع المطلوبة. يتطلع كثيراً الى قانون تعديل السرية المصرفية وإعداد قانون لمعالجة الوضع المصرفي لإعادة الانتظام الى هذا القطاع.
لا ينكر ان الخطوات المطلوبة من لبنان صعبة وغير سهلة لكنها قابلة للتنفيذ ويعول على ذلك في الفترة المقبلة. هو أتى بأجندة واضحة الاهداف والرسائل. اولها انه يأتي بتكليف من الرئيس الفرنسي ليجدد تأكيد دعم بلاده للبنان وعدم تراجع هذا الدعم، وذلك في رد على ما تردد اخيرا في الكواليس اللبنانية من قلق من ان تكون فرنسا ماكرون قد تراجعت عن اهتماماتها اللبنانية في ظل الاوضاع الفرنسية الداخلية المستجدة بفعل النتائج الصادمة للانتخابات التشريعية، فضلًا عن استياء فرنسا من عدم مبادرة السلطات اللبنانية الى مساعدة نفسها وشعبها لكي تستحق المساعدة الخارجية.
لا يقف الدعم عند حدود الاليزيه، بل يؤكد دوكان ان لبنان ليس منسياً وانه لا يزال يحظى بالدعم الدولي. يعزز كلامه بالقول ان الدول الخمس الكبرى في مجلس الامن، بما فيها روسيا والصين، تلتقي بالإجماع على دعم لبنان واستقراره، وتشجع على انجاز البرنامج مع صندوق النقد كمدخل للتعافي والخروج من الأزمة والحصول على الدعم الخارجي.
يؤكد الدبلوماسي الفرنسي ان المجتمع الدولي يثق بلبنان وبقدرته على النهوض، وفي كل اتصالاته، سمع الرسالة عينها للبنانيين شرط ان يقوموا بالإجراءات الإصلاحية المطلوبة منهم، وان يلتزموا انجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها من انتخاب رئيس جديد للجمهورية الى تشكيل حكومة جديدة.