المصدر: نداء الوطن
الكاتب: نخلة عضيمي
الاثنين 23 حزيران 2025 07:07:31
تضمن قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب رقم 44/2017 نصًا إصلاحيًا أساسيًا (المادة 84)، يفتح المجال لاعتماد بطاقة إلكترونية ممغنطة تتيح للناخب الاقتراع من أي مركز اقتراع (الميغاسنتر) قريب من محلّ إقامته بدلاً من الانتقال إلى مكان قيده الانتخابي. وتنص المادة 84، «على الحكومة بمرسوم… اتخاذ الإجراءات الآيلة إلى اعتماد البطاقة الإلكترونية الممغنطة في العملية الانتخابية المقبلة، واقتراح التعديلات اللازمة» لتنفيذ ذلك. وعليه، فإن تفعيل هذه البطاقة يفترض إنشاء مراكز اقتراع كبرى (ميغاسنتر) شاملة لجميع صناديق الدوائر، بحيث يصوت الناخب في المركز الأيسر له (حسب محل السكن)، مع الاحتفاظ بحقّه بانتخاب لائحته في دائرته الأصلية، بلا حاجة للتنقل إليها.
الأهمية والإجراءات المطلوبة
يوضح تحليل نشره مشروع «التقرير الدولي عن الديمقراطية»، أن اعتماد «الميغاسنتر» يزيد نسبة الاقتراع ويعزّز تنوّع التصويت، ما يدعم شفافية العملية الانتخابية وعدالتها. كما يوفر هذا النظام مراكز اقتراع معدّة لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة، ويقضي على «تكلفة التنقل» التي كانت تُستخدم أشبه بالرّشوة المقنّعة للناخبين. والأهم، أن إلغاء ربط الصوت الانتخابي بمكان القيد يحدّ من قدرة الأحزاب والزعماء المحليين على «شحن» جمهورهم والتأثير على خيارات الناخبين عبر الإغراءات أو الضغوط بعبارة أخرى، يضع «الميغاسنتر» الناخب خارج دائرة نفوذ الزعيم المحلي، فتصعب مراقبته أو تطويعه وقت الاقتراع.
من الناحية العملية، كان تفعيل «الميغاسنتر» يتطلب البنية التشريعية والإجرائية التالية: إصدار مرسوم حكومي بأغلبية الثلثين لتفعيل البطاقة الإلكترونية الممغنطة (وفق المادة 84 نفسها)، ثم تشريع تعديل قانون الانتخاب للسماح باستخدامها. وقد طالبت أوساط نيابية وحزبية بهذه الخطوة قبل انتخابات 2022، لكن وزارة الداخلية أبدت تحفّظات بسبب ضيق الوقت والتكلفة العالية.
فقد قدر تقرير رسمي تكلفة إنشاء نحو 50 مركز «ميغاسنتر» بـ 100 مليون دولار، إضافة إلى حاجتها لخمسة أشهر عمل مكثّف لإعداد قاعدة بيانات الناخبين وتوزيع المراكز. وبرّرت الحكومة السابقة تأجيل تطبيق «الميغاسنتر» بكون «قانون الانتخاب لم ينصّ على إنشائه»، وأن الأمر يستلزم تعديل القانون أولًا، ثم استحداث المراكز خلال فترة خمسة أشهر. لذلك، صدرت تشريعات لاحقة تعلّق فعليًا العمل بالمادة 84 (وأخرى ذات صلة) «لمرة واحدة» في انتخابات 2018 و2022، وظل كل مشروع ممغنط للتصويت معطلاً بحجة التكلفة الزائدة أو إعداد بطاقة هوية إلكترونية عامة بديلًا عن البطاقة الانتخابية الممغنطة. ومن هنا حمل باحثون مجلس النواب والحكومات المتعاقبة مسؤولية تجاهل هذا الإصلاح الانتخابي.
موقف «الثنائي الشيعي»
عارضت قوى «الثنائي الشيعي» تقنيات الإِصلاح هذه خلال مناقشات اللجان الوزارية والنيابية. ففي جلسات لجنة قانون الانتخاب قبل انتخابات 2018 مثلًا، أفيد بأن «أمل وحزب الله والمردة والاشتراكي» اعترضوا على الميغاسنتر «لاستحالة إنشائها لضيق الوقت». ومع اقتراب انتخابات 2022 عاد الجدل، حيث أكدت مصادر موالية لـ «الثنائي» أنه «يرفض تعديل قانون الانتخابات»، بل ربط وجود «الميغاسنتر» بإصدار البطاقة الممغنطة ومنح المغتربين ستة مقاعد إضافية خارج البلاد. بعبارة أخرى، طرح «الثنائي» شروطًا قاسية: لا تنازل عن الانتخابات العادية، ولا تغيير لقانون الانتخاب إلا كحزمة متكاملة تشمل «الميغاسنتر» والبطاقة الممغنطة وحقوق المغتربين معًا. ويترتب على ذلك عملياً 3 خيارات يبدو أن «الحزب» يطرحها: لا «ميغاسنتر» أو التنفيذ لكن بشروط، أو تأجيل تقنيّ للانتخابات بحجة أن المتطلبات الإصلاحية لم تُستكمل. وقد أشارت تقارير سياسية إلى أن هذه المواقف تفسِّر «عرض الحصص» القضائية والتنفيذية للتأجيل إذا لم تُستوفَ البنود المقترحة.
نتيجة تعليق «الميغاسنتر»، استمر التصويت بنظام الأقلام المحلية المرتبطة بسجلات النفوس، مما يُسهّل بقاء تأثير الزعماء التقليديين على الناخبين. وقد حذّرت تحليلات انتخابية من أن الغياب المستمر لهذا الإصلاح يشجّع على شراء الأصوات ويُعمّق تأثير الزبائنية.
وعلمت مصادر بحثية أن كل قانون انتخاب أصدره البرلمان ضمن الانتخابات الماضية كان يعلّق العمل بالبطاقة الممغنطة، «مما يمهد الطريق إلى عدم تطبيق الميغاسنتر». كما لم تنجز الحكومة أي بطاقة ممغنطة رغم وعود سابقة بتغطية تكلفتها العالية، في حين اقترح بعض الخبراء تطوير بطاقة هوية إلكترونية عامة قابلة للتصويت كبديل. وبالإبقاء على تقنيات التصويت التقليدية، تحافظ الأحزاب المهيمنة على أدوات الضغط والتأثير على قواعدها الحزبية والمحلية.
إذاً، وعلى الرغم من أن قانون الانتخاب 2017 تضمّن آلية لتحسين العملية الانتخابية عبر «الميغاسنتر» والبطاقة الممغنطة، لا تزال المماطلة مستمرة. فالوقت يداهم الجميع والمسؤولون يعلمون ذلك، ما يعني أن الاستمرار بتغييب «الميغاسنتر» وتأجيل البدء العملي بالتحضير لتطبيقه، سيكون مؤامرة حكومية عن سابق تصور وتصميم، بالتكافل والتضامن مع القوى الساعية إلى ضرب هذا البند الإصلاحي لا سيما بعد نتائج الانتخابات البلدية. فهل سيوضع الملف على نار حامية أم أن الهروب إلى الأمام سيستمر كي يقال بعد أشهر «الوقت داهمنا» و«يا ليتنا كنا نعلم»!