المصدر: النهار
الكاتب: عبدالوهاب بدرخان
الأربعاء 2 تشرين الأول 2024 07:51:42
خمسة أيام وضعت خمسة عقود على محك الاضمحلال. ما بدأه "حزب إيران/ حزب الله"، منذ ولادته غداة حرب الاجتياح الإسرائيلي في 1982، يكاد ينهار بفعل حربه "لإسناد غزّة" في 2024، بل يكاد ينهار معه لبنان. بعد "التحرير" عام 2000 قطع الحزب عهدا مع كل خيار "انتحاري" تعزيزاً للمقاومة ضد الاحتلال، وأعدّ نفسه لـ "المقاومة المستمرة" وإعلاء شأن "المحور الإيراني" ضد إسرائيل والولايات المتحدة وعموم الغرب والعرب، وإذا بالحرب الراهنة تدفعه هذه المرّة إلى خيار "شمشوني، ما بعد انتحاري" لأنه لم يعد قادراً على العودة إلى وضع لا يكون فيه حاكماً مطلقاً لبلد ينفر أكثر من ثلثي شعبه من "المشروع الإيراني"، بل يتساءل معه الآن "أين هذا المشروع؟" وهل تساهم الصواريخ فعلاً في "الدفاع عن لبنان وشعبه؟"، بل "هل تفيد فعلاً في إيواء أكثر من مليون نازح وتأمين حياة كريمة لهم بعدما فقد معظمهم أحباءهم ودُمّرت بيوتهم وممتلكاتهم وأرزاقهم؟".
بعد زلزال اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصرالله، بغارة "فرط هتلرية" غير مسبوقة بضخامتها التدميرية للتخلص من شخص واحد، تدافع قادة العدو للقول إن هذا "ليس النهاية"، مؤكّدين أن خططهم ترمي إلى إنهاء الحزب، واقتلاعه والقضاء عليه، ومهدّدين نظام بشار الأسد إذا واصل تسهيل تمرير الأسلحة إلى الحزب، أي أنهم يتعاملون هذه المرّة- وأكثر مما فعلوا في غزّة- مع هدف محدّد هو إيران، وانتشارها في المنطقة. من الواضح أن هذا الهدف يحظى بقبول علني (ردّ فعل جو بايدن على اغتيال نصرالله) أو ضمني من عدد كبير من الدول القريبة والبعيدة.
فالحزب، كما "حماس" قبله، تلقّى تبعات كل العداوات التي راكمتها إيران طوال أربعة عقود ونيّف، وتبعات العلاقة العضوية بين إسرائيل والغرب. وعندما باشرت طهران متأخرةً إبداء الرغبة في الخروج من قوقعتها كان "مشروعها" تلقّى ضربة لم تتخيّلها في غزّة، وباتت على وشك التعرّض لهزيمة في لبنان وسوريا، ولن تفيدها "التضحية" بمزيد من اللبنانيين والعراقيين وغيرهم.
تجد إسرائيل أنها إزاء "فرصة تاريخية"، ويقول قادتها مجرمو الإبادة الجماعية بكل وقاحة إنهم يقدّمون "خدمة" للمنطقة والعالم ويزيّنونها باسم "تغيير الشرق الأوسط"، وهم ليسوا مسلّحين بترسانتهم العسكرية فحسب، بل بتأييد عارم من "إرادة دولية وإقليمية"، وكأن "شرق أوسط نتنياهو وسموتريتش" سيكون أكثر أمناً وسلاماً من "شرق أوسط الملالي". المؤكد أنه سيبقى شرق أوسط القوى الدولية الذي أرادته وتريده مضطرباً وغير قابل للإصلاح أو الاستقرار إلا بالقدر الذي يتطلّبه "أمن إسرائيل".
في خضم جحيم عاتية كهذه، زجّ "حزب إيران" نفسه وناسه، بل دفع بلبنان إلى لعبة أكبر منه، ومن إيران واستراتيجياتها المتهالكة، وأمعن بكامل وعيه وإرادته في إفقاد لبنان كلّ رصيده من صداقات ورعاية دوليتين، ليقتصر الرجاء الآن على أن تتعطّف الدول المانحة بما يمكّنه من التعامل مع معضلة اجتماعية متفاقمة فرضتها الحرب قبل أن تتحوّل إلى شرخ وطني أعمق من أن يُدارى. فالتجارب السابقة أظهرت أن الاغتيالات الكبرى غالباً ما تكون لها ارتدادات على الداخل، وليس على القتلة الحقيقيين.
لا يمكن أن تكون هناك خطوة مطلوبة اليوم غير وقف النار. كان هناك "نداء" أميركي- فرنسي، ولا يزال على الطاولة وقابلاً للتفعيل ربما، لكن إسرائيل رفضته لتكمل حرباً حددت لها أهدافاً قصوى، ولم يعد الحزب قادراً على قبوله لئلا يعترف بهزيمته. وواقع الحال أن ليس هناك في لبنان من يستطيع اتخاذ قرار بقبول وقف النار.