من يقصد الوزير قماطي بالميليشيات التي ولّى عصرها؟

أطلت الفتنة برأسها من الجبل مجدداً، مستفيدة من "بيئة حاضنة" أنتجها خطاب التحريض السياسي الذي يتسيّد المنابر ويستبيح البلد، بشكل غير مسبوق، من دون رادع. واذا كانت هذه البقعة الجغرافية تجاوزت في السابق اكثر من قطوع ، بعدما بلغ الاحتقان في محطات سابقة اوجه، من دون إراقة دماء، فإن التجربة هذه المرة أصعب وأخطر، مع سقوط قتلى وجرحى في إشكال مريب، كاد يزج المنطقة في المحظور الكبير، لو لم يسارع العقلاء الى محاصرة النار قبل امتدادها في اتجاهات مختلفة، لتنجو من محاولة اغتيالها بالفتنة، وتثبت  مرة أخرى أنها عصيّة على محاولات دفعها الى الصراع السياسي او الطائفي الذي يتعارض مع تنوعها الذي كرّسته مصالحة الجبل التاريخية.

"كرة نار" الاحتقان السياسي التي تنقلت من منطقة الى اخرى وانفجرت تكرارا بين القوى السياسية الى ان كان الانفجار الكبير ميدانيا في الجبل، قد تجعل لبنان برمته، اذا لم يُسحب فتيلها مشرّعا على احتمالات السقوط في الفتنة. وفيما يُسجل للجيش بكلمة حق تُقال انه ساهم بقوة في قطع الطريق على "المغامرين" بالبلاد والعباد، عبر تدخله الحازم والسريع وإمساكه بالأرض، يُسجل للدولة سقوط ذريع في امتحان اطفاء فتيل الاحتقان والتشنج المشتعل منذ شهور بوقود خطابات الاستفزاز والسجالات "الرعناء" المقصودة او عن غير قصد الذي اقتات امس من دماء اللبنانيين، اذ ان المعالجات المتأخرة كما العادة، باتت تعجز عن احياء الميت، بعدما وقعت الواقعة المُتوَقعة، حتى من ابسط مواطن في اقصى قرية نائية في لبنان، حيث لم يعد اللبنانيون يجدون أفضل من القلق على المصير، عنوانا جامعا.

صحيح ان الاتصالات التي تولاها كبار المسؤولين في البلاد هدّأت الارض نسبيا، لكن الصحيح ايضا ان الخطاب السياسي المتشنج ما زال يذكّيها، وعوض التزام لغة المنطق والعقلانية ارتفع منسوب الاتهامات وتبادل الرسائل النارية ضمن اصطفاف سياسي بغيض.

ووسط موجة استنكار عارمة لحادثة قبر شمون التي حاول البعض حرفها في اتجاه مذهبي، أوفد حزب الله وزيره لشؤون مجلس النواب محمود قماطي الى خلدة امس، حيث التقى رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني  النائب ​طلال ارسلان​ واصفا ما جرى في قبرشمون بالكبير والخطير جدا ومؤكدا ان همنا هو الاستقرار، وان العودة الى الاعمال الميليشياوية تشكل خرقا للتوافق اللبناني، ولفت إلى أن " الخطاب السياسي المعتمد من قبل الفرقاء السياسيين يجب ان يتحلى بالاخلاقية السياسية فعصر الميليشيات ولّى ولا يجوز ان نعود اليه واستقرار الجبل اساس، والجبل أمانة في عروقنا".

بعيدا من خلفياته وابعاده وتموضعه السياسي، تُسجّل مصادر سياسية سيادية للوزير قماطي تأكيد حرصه ومن خلفه الحزب طبعا على الاستقرار واعتبار الجبل امانة في عنقه، لكنها تسأل عبر "المركزية" عما اذا كان هذا الحرص متجددا ام انه ذاته الذي "فعل فعله" في احداث 7 ايار حينما وضع الجبل على فوهة بركان بعدما اشعل بيروت بنيران الفتنة؟ وتُردف: من يقصد الوزير قماطي بالميليشيات التي ولّى عصرها؟ مشيرة الى ان بعض من اطلقوا النار في حادثة امس، الى اي فئة سياسية انتموا، وبعيدا من حجم السلاح المتفلت غير المقبول تواجده بين ايديهم، باعتبار ان الجهة الوحيدة المخوّلة حمل السلاح في لبنان هي المؤسسة العسكرية التي وأدت الفتنة امس واعادت فتح الطرق المقطوعة امام اللبنانيين المفترض انها لا يجب ان تقطع استنادا الى وعد قطعه الرئيس ميشال عون بأن لا طرق ستقطع في عهده، فإن الجهة الوحيدة في لبنان التي يصنّفها بعض اللبنانيين بالـ"ميليشيا" هي حزب الله نفسه بعدما استخدم سلاحه في الداخل مرارا ضاربا عرض الحائط القرارات الدولية، لا سيما الـ1559 الذي يوجب حصر السلاح بيد الشرعية، وفي دول الجوار من خلال تورطه في الحرب السورية الى جانب النظام ضد شعبه، ووضع نفسه في عين الكثير من دول الخارج في موقع "الارهابي"، فكيف يحاضر "بالعفة" من يرتكب "المعاصي"؟