موازنة الردع بالإقناع الديبلوماسي

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أنه أمر بإرسال غواصة صواريخ موجهة إلى الشرق الأوسط وسرع وصول مجموعة حاملة طائرات إلى المنطقة قبل هجوم إيراني متوقع ضد إسرائيل. ووزعت معلومات عن أن الغواصة "يو إس إس جورجيا"، وهي غواصة تعمل بالطاقة النووية ومسلحة بصواريخ كروز، تعمل في البحر الأبيض المتوسط في الأيام الأخيرة، بعد أن أكملت للتو التدريب بالقرب من إيطاليا، وأن أوستن أمر الغواصة بدخول مياه الشرق الأوسط. وذلك على رغم أنه نادراً ما يُكشف عن حركة الغواصات الصاروخية الأميركية علناً، فيما تعمل السفن التي تعمل بالطاقة النووية في سرية شبه كاملة.

وهذا الإعلان بدا رسالة واضحة من أجل ردع إيران ووكلائها فيما تستعد للرد "الحتمي" على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في طهران. لكن الرسالة التي لا تقل أهمية هي أن القوات الأميركية، على غير ما يتم استضعاف أي إدارة أميركية في الأشهر الأخيرة من ولاية أي رئيس أميركي، تتحرك على نقيض هذا الاستضعاف ليس دفاعاً عن إسرائيل فحسب على رغم المجاهرة بذلك بل حماية للوجود الأميركي الذي توجه طهران عبر وكلائها في العراق أو في سوريا رسائل عسكرية بهدف الضغط على الولايات المتحدة للانسحاب من المنطقة.

وهذا الأمر إن لم يردع طهران ووكلاءها على رغم قولهم بنيّة توجيه ضربة موجعة لا تتسبّب بحرب إقليمية، فإنه يزيد الأمر صعوبة على طهران لجهة تنفيذ ضربة ناجحة تبحث من خلالها اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية من أجل تثبيت قوة الردع. مجدداً يسأل مراقبون: هل التعزيزات الأميركية مبرر لإعادة التفكير لدى إيران أو لتأمين مخرج لها إما لتأجيل انتقامها أو لصرف النظر عنه، انطلاقاً من أن احتمال فشل أي ضربة يمكن أن ينعكس عليها سلباً، إذ إنه على رغم التقويم للهجوم الذي قامت به إيران ضد إسرائيل في 13 نيسان الماضي بأنه أظهر نقلة نوعية في التطورات في المنطقة، فإنه أظهر أنه لم يكن رادعاً على نحو كاف لإسرائيل.

ولكن في الوقت نفسه تقول مصادر ديبلوماسية معنية في بيروت إن هذا الضغط الرادع من جانب الولايات المتحدة يوازي الضغوط الديبلوماسية التي ترجمها بيان ثلاثي لكل من الولايات المتحدة وقطر ومصر من أجل استئناف المفاوضات حول وقف النار في غزة يوم الخميس المقبل على خلفية أن هذه الضغوط موجهة في كل الاتجاهات ولا سيما في اتجاه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وحشره.

فإدارة الرئيس جو بايدن التي تواجه الانتخابات الرئاسية بمحاولة تمهيد الطريق لوصول نائبته كامالا هاريس الى البيت الأبيض يحرجها جداً الانخراط في حرب واسعة في هذا التوقيت كما تحرجها الجرائم التي يستمر نتنياهو في ارتكابها وآخرها تلك التي حصلت في مدرسة التابعين، إذ إن المرشحة الديموقراطية تسير على خيط رفيع جداً من محاولة التوازن بين الاستمرار في دعم إسرائيل والسعي الى اجتذاب أصوات الجاليات العربية في الولايات المتحدة الغاضبة من إدارة بايدن على عدم النجاح في وقف الحرب في موازاة الاستمرار في تزويد إسرائيل بالاسلحة الهجومية ودعمها أيضاً.

والرسالة التي توجه بها زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا، في بيان مشترك نشرته الحكومة البريطانية يدعون فيه إيران ووكلاءها "للإحجام عن شنّ هجمات على إسرائيل مِن شأنها أن تُصعّد التوتر وتُعرّض فرص التوصل لوقف لإطلاق النار وتحرير الرهائن، للخطر"، إنما تهدف الى إعطاء فرصة لجولة المفاوضات يوم الخميس المقبل في شكل أساسي، إذ إن عملية انتقامية تقوم بها طهران أو "حزب الله" في اليومين المقبلين ستلقي على كاهلهما مسؤولية إجهاض هذه المفاوضات تماماً على ما اتهم موالون لهما نتنياهو بقصف مدرسة التابعين قبل أيام.

يضاف الى ذلك أن المنطق الذي لطالما ردّدته إيران كذلك ومن يدور في فلكها أن إسرائيل تسعى راهناً الى توريط الولايات المتحدة في حرب إقليمية فيما يسعى نتنياهو الى تأجيل وقف للنار وإطلاق الأسرى حماية لوجوده السياسي، ومن هذه الزاوية يجري السعي عبر هذه البيانات العلنية المساعدة كما عبر اتصالات غير معلنة الى تجنب الرد أقله في الأيام القليلة المقبلة وإعطاء فرصة لإجهاض أهداف الحكومة الإسرائيلية عبر إجهاضها المفاوضات تحت طائل أن تتحمل إيران ووكلاؤها مسؤولية مماثلة عن عدم الرغبة في الوصول الى وقف الحرب في غزة.

يضاف الى ذلك أن ردّ إيران في 13 نيسان استغرق 12 يوماً على عملية إسرائيل ضد القنصلية الإيرانية في دمشق فيما يأمل الديبلوماسيون أن يؤدي نجاح جولة المفاوضات المقبلة إلى إبطال مبررات الردود في حد ذاتها.