المصدر: النهار
الأربعاء 23 آب 2023 08:25:49
أمّا وقد عادت ادارة الضمان الاجتماعي الى إعداد الموازنة السنوية بعد تغيّب لثلاثة أعوام (2019 و2020 و2021)، فيما نوقشت موازنة عام 2022، وأُسقطت بالتصويت لعدم تقيّدها بأحكام النظام المالي للصندوق، وأحكام المادة 62، يبدو ان إقرار موازنة 2023 دونه معوقات مع تعليق الأعضاء في مجلس إدارة الضمان: جورج علم وبطرس سعادة ومحمد حرقوص عضويتهم، معتذرين عن عدم حضور أي جلسة للمجلس إلى حين العودة لمناقشة تعديل رواتب المستخدمين.
فقد سبق لمجلس ادارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أن ناقش موازنة 2023 وأعادها الى الادارة لتصحيح الارقام والتقيد بالمادة 62 من قانون الموازنة للعام 2017. وبعد انجاز التصحيح من الادارة، دعا رئيس مجلس الادارة الى جلسة ببند وحيد لمناقشتها، ولكن مقاطعة بعض الاعضاء لجلسات مجلس الادارة عطّلت النصاب، علما أنه لا يمكن فتح اي اعتماد خارج الموازنة قبل اقرارها والمصادقة عليها، وتاليا لا يمكن منح الموظفين أياً من العطاءات التي يطالبون بها.
وبالعودة الى موازنات وحسابات الصندوق الوطني للضمان، فقد أعدّ 5 أعضاء من مجلس الإدارة (رفيق سلامة، أنطوان واكيم، فضل الله شريف، غسان غصن، عادل عليق) تقريرا سلّموه الى وزيري العمل والمال في حكومة تصريف الاعمال مصطفى بيرم ويوسف الخليل، عن الموازنات ودور وزارة المال في ممارسة الرقابة المالية عليها. ومن خلال قراءة تحليلية للأرقام الواردة في موازنة 2023 أجراها الاعضاء الخمسة، يتبين أن قسم الواردات في فرع ضمان المرض والأمومة بلغ 9.018.276 ليرة، منها: 6.351.193 ليرة اشتراكات أصحاب العمل والمضمونين، و2.571.987 ليرة مساهمة الدولة في تمويل الفرع و95.196 مليونا إيرادات مختلفة.
هذه العناصر الرقمية برأيهم "غير قانونية وغير واقعية وتؤدي إلى نتائج خاطئة في الواردات لجهة الحد الأدنى للكسب الخاضع للاشتراكات، إذ لا يوجد في قانون الضمان الاجتماعي أي نص يبين حدا أدنى للكسب الخاضع للاشتراكات، بحيث يكون للصندوق الحقّ في فرض هذا الحد على أصحاب العمل عند تقديم تصاريحهم. ولجهة الحد الأقصى للكسب الخاضع للاشتراكات الذي يبلغ في ضمان المرض والأمومة 5 ملايين ليرة شهريا، وذلك بموجب المرسوم الرقم 9415 تاريخ 16/6/2022، وفي التقديمات العائلية مليون و500 ألف ليرة شهريا، وذلك بموجب المرسوم الرقم 5102".
واعتبر التقرير ان "تقدير واردات الموازنة على أساس الحد الأقصى المقترح، (18 مليون ليرة) و(12 مليون ليرة) سيؤدي، في حال عدم صدور المرسوم اللازم أو في حال التأخر بإصداره، إلى تدمير التوازن بين الواردات والنفقات المحققة، أو في أحسن الحالات، عدم تنفيذ زيادة التقديمات الموعودة، وافتضاح أمر الموازنة الوهمية. كذلك، تضمّن القسم الأول من الموازنة ورماً في الواردات، والقسم الثاني أوراماً في النفقات، وبعضها غير حميد، خصوصا في فرع ضمان المرض والأمومة الذي تظهر أرقامه البالغة في التقديمات الصحية: 6.730.911 ليرة، ونفقات إدارية وأعباء مصرفية: 373.888 مليون ليرة، واحتياط نفقات طارئة: 729.444 مليون ليرة. فيصبح المجموع: 7.834.243 ليرة. يضاف الوفر في موازنة الفرع: 1.184.133 ليرة، فيصبح المجموع العام: 9.018.376 ليرة. ويلاحظ في هذا الصدد ان مقدار التقديمات الصحية البالغ 6.730.911 ليرة لا يتناسق إطلاقا مع مبالغ التقديمات الصحية المدفوعة فعلياً في السنوات الخمس الأخيرة، والتي سجلت أرقاماً انحدارية لافتة".
من هذه الأرقام يتضح ان التقديمات الصحية في العام 2023 (الأشهر الخمسة الأولى) إذا استمرت على السياق نفسه، فإنها ستبلغ في نهاية العام 360 مليار ليرة، أي أقل من كلفتها الإدارية الموجودة في الموازنة وقدرها 370 مليار ليرة.
فإذا قسّم المبلغ العائد لتقديمات سنة 2018 والبالغ 610 ملايين دولار، على المبلغ العائد لتقديمات سنة 2022 والبالغ 3.777 ملايين دولار، لكانت سرعة الانحدار في التقديمات تبلغ 161 درجة. وإذا قيست سرعة الصعود في التقديمات، المرتقبة، من 350 مليار ليرة في العام 2022 إلى 6.730 مليار ليرة في العام 2023، لطبقة 19 درجة (أي 19 ضعفاً).
بالنسبة للتقديمات، وإن كانت أرقاما صادمة، فإن مجملها يذهب إلى مقدمي الخدمات وخصوصا المستشفيات. فالمستشفيات وسائر مقدمي الخدمات الطبية وفق ما ورد في التقرير "تنصلوا من الالتزام بتعرفات الصندوق الرسمية، وفرضوا على المضمونين تعرفاتهم الخاصة التي وضعوها وفق مصالحهم. وأحجمت المستشفيات عن استقبال المرضى قبل أن يسددوا سلفاً كامل فاتورة الاستشفاء، وأحياناً بالدولار النقدي. وخير دليل على ذلك، ما ورد في بيان الإدارة عن نتائج تقديمات فرع المرض والأمومة في الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2023، إذ بلغت التقديمات الفردية نحو 35 مليار ليرة، فيما بلغت التقديمات في المستشفيات 150 مليارا، لم يفد منها المضمونون سوى بالقدر اليسير".
عدا عن ذلك، لم تُرفق بمشروع الموازنة الدراسات والإحصاءات اللازمة لتوضيح كيف تأمن الوفر في صندوق ضمان المرض والأمومة، وكيف تمكن هذا الوفر من تغطية الديون المترتبة على هذا الصندوق، ومنها المبالغ المستلفة من أموال نهاية الخدمة، وقيمة استمارات المرضى المتراكمة من دون تصفية، وكيف تمكن أيضاً من إعادة تكوين الاحتياط القانوني البالغ ما يزيد على ألف مليار ليرة. يضاف الى ذلك، ان زيادة التعرفات التي أدت إلى ارتفاع التقديمات، صدرت بصورة غير قانونية ولن تكون لها تاليا الآثار الإيجابية المنتظرة.
وأشار التقرير الى أن المدير العام لأمانة سر الصندوق اتخذ 3 قرارات عدّل بموجبها من دون أي سند قانوني: تعرفات غسل الكلى، والتعرفات العائدة للأعمال الطبية والاستشفائية، وأسعار الأدوية، وهي :(تعديل تعرفة جلسة غسل الكلى)، الذي رفع تعرفة الجلسة إلى 6.280.000 ليرة تشمل الكلفة العائدة للمستشفى ولأتعاب الطبيب. وتبين من الدراسة المالية المرفقة بهذا القرار الآتي: "ان الكلفة الإضافية المحدثة بهذا القرار بلغت 1.328.250 ليرة، وان الكلفة الاجمالية بلغت 1.727.000 ليرة". أما عدد المرضى، وفق بيان مصلحة المراقبة الإدارية، فقد راوح خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2023 ما بين 1.388 مريضا في شهر كانون الثاني، و1.362 مريضا في شهر حزيران. فإذا اعتبرنا العدد الوسطي هو 1.400 مريض، فإننا نحصل على النتائج الآتية: كلفة المريض الواحد في السنة نحو مليار ومئتين وثلاثة وثلاثين مليون ليرة. وبمقارنة هذه الكلفة الاجمالية مع كلفة كامل التقديمات الصحية المدفوعة للمستفيدين في النظام العام، والبالغة 350 مليار ليرة في العام 2022، يتبين أن كلفة الـ 1400 شخص تساوي نحو 5 أضعاف كلفة 1.200.000 مستفيد!
وقد قضى تعديل تعرفات الأعمال الطبية والاستشفائية في فرع ضمان المرض والأمومة، بزيادة التعرفات العائدة للأعمال المذكورة، على أن يُعمل به اعتبارا من أول يوم عمل يلي تاريخ نشر مرسوم زيادة السقف الخاضع للاشتراكات في فرع المرض والأمومة إلى 18 مليون ليرة في الجريدة الرسمية.
أما القرار الذي قضى بتعديل أسعار أدوية الأمراض المزمنة في لوائح الأدوية المعمول بها في الصندوق، بحيث تُضرب قيمتها القديمة بـ 15 مرة للأدوية الـ generique، وبـ 12 مرة للأدوية الـ brand، فقد لاحظ التقرير أنه إضافة إلى أنه "صادر عن مرجع غير مختص، فيما قرار تسعير الأدوية يعود حصرا لوزير الصحة، حتى ان قرار زيادة التعرفات لم تواكبه اتفاقية جديدة واضحة مع كافة مقدمي الخدمات الصحية، تحدد المبالغ التي يُسمح لهم بتقاضيها من المضمونين، ضمن تعرفة رسمية، مع مراقبة مشددة من الصندوق على التقيد بشروط الاتفاقية. وإلا فإن معظم الزيادات ستذهب إلى مصلحة مقدمي الخدمات الصحية، كما هي الحال في الوقت الحاضر".
بالنسبة إلى صلاحية المدير العام لأمانة سر الصندوق لإصدار القرارات التنظيمية الواردة أعلاه، تقتضي الإشارة إلى أن هذه الصلاحيات تعود لمجلس الإدارة الذي يتولى السلطة التقريرية "ويضع جميع أنظمة الصندوق، والموازنات"، (المادة 3 من القانون) "ويتخذ جميع التدابير اللازمة لتطبيق قانون الضمان الاجتماعي" (المادة 76).