المصدر: الأخبار
الكاتب: نجلة حمود
الخميس 31 آب 2023 06:55:33
بعد عبورها الحدود، تنتظر سارية مع أطفالها الثلاثة يوماً كاملاً في معبر شهيرة، في البقيعة العكارية، بانتظار اكتمال «الدفعة»، قبل الانطلاق برفقة سماسرة ومهرّبين (غالبيتهم من أبناء وادي خالد والمشاتي). تجتاز «القافلة» التي تضم رجالاً ونساء وأطفالاً من كل الأعمار بلدة البقيعة، وتسلك سيراً على الأقدام طرقاً جبلية عبر بلدة شدرا من أجل تفادي المرور عبر حاجز القوة المشتركة، قبل أن ينتهي بها المطاف في قرية القبور البيض، حيث تنتظر «فانات» تقلّ الداخلين الجدد إلى وجهتهم داخل لبنان.
المشهد على الحدود الشمالية مع سوريا يعود بالذاكرة إلى عام 2011، وبدء تدفق أمواج من النازحين السوريين على لبنان. ما لا يقل عن 1000 سوري يعبرون يومياً بطرق غير مشروعة إلى عكار عبر الشريط الحدودي الممتد من قرى وبلدات وادي خالد المشاتي وشدرا في منطقة الدريب الأعلى، مروراً ببلدات العوينات ومنجز ورماح وخربة الرمان وشيخلار والدبابية في الدريب الأوسط، وصولاً إلى بلدات شاطئ العريضة عند الشاطئ اللبناني. فيما تؤكد مصادر مطّلعة أن أعداداً مماثلة من السوريين تعبر يومياً الحدود الشرقية عبر معابر غير شرعية تسيطر عليها عشائر بقاعية.
ومنذ عام 2011، تعيش المنطقة الحدودية على وقع ما يجري في الداخل السوري. في بداية الحرب، تعرّضت لقصف متكرر من الجيش السوري استهدف قرى وبلدات استُخدمت ممراً لتسلل المجموعات المسلحة والتكفيرية إلى الأراضي السورية، وشهدت سقوط عشرات القتلى والجرحى بالألغام التي زرعها الجيش السوري لمنع التسلل. لاحقاً، مع استقرار الأوضاع في البلدات السورية المحاذية للقرى الشمالية، خرجت الأمور عن السيطرة كلياً على المقلب اللبناني. وبعدما كان تهريب السلع، قبل الأزمة، مصدر عيش سكان معظم هذه المناطق، امتهن كثيرون أخيراً تجارة البشر في عمليات تجري في وضح النهار بتنسيق بين المهرّبين على جانبَي الحدود، وعبر معابر: الكنيسة، شهيرة - خط البترول، وادي الواويات، قرحة، العويشات، تل الفرح…
اللافت أن المهرّبين وسّعوا نشاطهم ليشمل قرى لم تكن يوماً على خط التهريب، كمنجز والعوينات ورماح والقبور البيض، ما يثير قلقاً كبيراً بين سكانها الذين يرون يومياً المئات يدخلون أراضيهم، ويخوض بعضهم جولات كرّ وفرّ مع الداخلين بطرق غير شرعية، فيعمدون إلى توقيف بعضهم وتجميعهم في باحة الكنيسة في انتظار وصول الجيش اللبناني الذي يعيدهم إلى الحدود. أحد أبناء العوينات يقول لـ«الأخبار»: «ما يجري مريب ومخيف والأعداد التي تدخل هائلة ومقلقة للغاية»، لافتاً إلى «تعاون بعض أهالي هذه البلدات مع المهرّبين تحت إغراء المال مقابل السماح بعبور النازحين في المنطقة»، ما يؤدي إلى «فوضى عارمة واستباحة المسلحين والمهرّبين للمنطقة، فضلاً عن اشتباكات وتصفية حسابات». الأمر نفسه ينطبق على بلدة شدرا الأقرب إلى بلدات وادي خالد وجارة المشاتي، حيث أوقف أخيراً تسعة من أبناء البلدة بتهمة العمل مع السماسرة. فيما إجراءات القوى الأمنية تقتصر على إعادة المخالفين إلى الحدود، ليقعوا مجدداً في قبضة السماسرة الذين يعمدون إلى إعادة إدخالهم عبر معابر ترابية أخرى.
م. ع.، أحد سماسرة التهريب في وادي خالد، يروي لـ«الأخبار» كيف يجري التهريب عبر معبرَي شهيرة وعبيدان اللذين يخضعان لسلطة الفرقة الرابعة في الجيش السوري الموكلة بضبط الحدود، مؤكداً أن المتسلّلين يعبرون تحت أعين حرس الحدود، ويستقبلهم في الجانب اللبناني سماسرة يستضيفونهم في منازل محددة حيث يعمدون إلى توزيعهم على «فانات» بعد «تعريبهم»، بين من يملك هوية، ومن يحمل «دفتر أمم» (الصادر عن المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين).