"ناكرو الجميل" يهدّدون "اليونيفيل" آخر صديق للجنوبيين

دخلت مسألة اعتداءات "المدنيين" على "اليونيفيل" في الجنوب الروتين اليومي. البعض يعتبرها رسائل سياسية يوجّهها "حزب اللّه" إلى الداخل والخارج، مفادها أنّ "الشعب" بات السلاح الجديد المتفلّت لـ "المقاومة". فـ "الزّر"، الذي عجز "الحزب" عن استعماله لإغراق إسرائيل بآلاف الصواريخ خلال الحرب ودخول مئات مقاتليه إلى مستوطنات الجليل كما كان يروّج في تعبئته الإعلامية الحربيّة، "يتمرجل" باستخدامه اليوم، وفق تعبير أحد المعارضين الشيعة، ضدّ "حفظة السلام". ضدّ السند الذي أعان الجنوبيين اقتصاديًّا واجتماعيًّا وصحيًّا، في عزّ محنهم وأزماتهم.

تلك التعدّيات الناجمة عن بعض "ناكري الجميل"، لا تعكس سلوكًا سياسيًّا وأمنيًّا مدمّرًا فقط، بل تنمّ عن سقوط أخلاقي ذميم. وفي جردة حسابية سريعٍة عمّا قدّمته القوات الدولية الموقّتة العاملة في الجنوب من توظيفات ومشاريع حيوية، تكشف أنًها كانت ركن الصمود الأساسي للجنوبيين، لا سيّما عقب الأزمة الاقتصادية وانهياراتها المعيشية. فالسلاح وفائض القوّة، اللذان تغنّى بهما "حزب اللّه" أدّيا إلى أكبر تهجير في تاريخ الشيعة والجنوبيين. والدولة التي ساهم في تدميرها وتحلّل مؤسّساتها ونشر الفساد بداخلها، جعلت السلطات المحلية المتمثّلة بالبلديات، مشلولة وفاقدة لدورها التنمويّ.

سنوات طويلة من التعاون والتآخي والتفاعل الآمن، نسجها الأهالي بمختلف شرائحهم وطوائفهم مع "القوات الدولية". وكما لم تبخل الأخيرة في المساعدات الإنسانية، فَقَدَت اليونيفيل 335 عنصرًا منذ عام 1978 حتى 31 أيار 2024.

وفي إشارة إلى بعض الحوادث، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، مجزرة قانا في 18 نيسان 1996، حين قصفت إسرائيل مركز قيادة "فيجي "التابع لليونيفيل في قانا، حيث لجأ إليه مدنيون هربًا من عملية "عناقيد الغضب" وأدى إلى مقتل 106 وجرح العديد.

خلال حرب تمّوز (2006)، قُتل أربعة من مراقبي الأمم المتحدة (من النمسا، الصين، فنلندا، وكندا) في غارة جوية إسرائيلية استهدفت مركز مراقبة تابعًا للأمم المتحدة في بلدة الخيام.

في حزيران 2007، قُتل ستة جنود إسبان وأصيب اثنان آخران في تفجير سيارة مفخخة استهدفت دوريتهم قرب بلدة الخيام. وفي 14 كانون الأول 2023، قُتل الجندي الأيرلندي شون روني وأصيب ثلاثة آخرون من زملائه بجروح، خلال إطلاق رصاص على سيارتهم المدرعة أثناء مرورها في منطقة العاقبية، وكان منفّذو العملية ينتمون إلى "حزب اللّه".

فـ "القوّات" التي انضمّت إلى لائحة "العملاء" أو بلهجة "أهلية" تخفيفية "العمل لصالح إسرائيل"، يعمل في مراكزها ومقرّاتها، حوالى 800 موظّف معظمهم من القرى الجنوبية الشيعية وغيرها.

وضمن إطار التعاون المدني - العسكري (CIMIC) والمشاريع ذات الأثر السريع، نفّذت قوّات الأمم المتحدة آلاف المشاريع الإنمائية. أكثر من 2,500 مشروع تم تنفيذه بين عامي 2006 و 2017، بتكلفة إجمالية بلغت حوالى 40 مليون دولار.

خلال عام 2024، قامت "اليونيفيل" والدول المساهمة بتنفيذ 39 مشروعًا للطاقة الشمسية. استفادت من هذه المشاريع بشكل رئيسي المؤسسات التعليمية مثل المدارس والجامعات، ما ساهم في تحسين حياة الآلاف من الطلاب بالإضافة إلى البلديات.

على سبيل المثال، في شهر تموز، قامت قوات حفظ السلام الإيطالية بتركيب ألواح شمسية وبطاريات في الجامعة اللبنانية في صور، ما أوقف اعتماد الجامعة على المولّدات الباهظة الثمن.

وتُقدّر مساهمة اليونيفيل سنويًا بنحو 3.9 ملايين دولار في مشاريع تنموية، تشمل مشاريع سريعة الأثر ومبادرات مجتمعية متنوعة، منها: شق وتعبيد طرقات، إنارة شوارع، إنشاء خزانات مياه، تقديم خدمات طبية وبيطرية مجانية، تجهيز عيادات. دورات في اللغات، الحاسوب، الطبخ، والمهارات المهنية. دعم التعاونيات الزراعية، تقديم معدات، حملات تشجير. تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين.

في الخلاصة، عكست القوات الدولية الموقّتة في الجنوب، صورة الدولة التي يتمنّاها اللبنانيون من جهة، ونقيضًا للدويلة الرديفة التي قطعت علاقات لبنان العربية والدولية من جهة أخرى، فهل يضرب "الحزب" آخر صديق وفيّ للجنوبيين؟