نتيجة المقامرة بمصير البلاد

حصل ما لطالما حذرنا منه طوال الأشهر الماضية، منذ أن قام "حزب الله" من دون مشاورة أحد بالتورط في "حرب الإسناد" العبثية وتوريط كل لبنان فيها.

كان واضحا منذ الأيام الأولى أن هذه الحرب مرفوضة من الغالبية العظمى من اللبنانيين. وكان واضحا أنها مغامرة خطرة، لا بل أكثر، كانت مقامرة انتهت بلبنان إلى حيث هو اليوم، عالقا بين إجرام إسرائيل وجنون "حزب الله". ولا نبالغ إن توقعنا إن تتدحرج الحرب نحو مستويات دموية وتدميرية إكبر من التي نعيشها اليوم.

"حزب الله" هو المسؤول الأول عما آلت اليه مقامرته بأمن البلاد ومصير مئات الآلاف من اللبنانيين. والمسؤول الثاني هو هذا الطاقم الحاكم بكل فئاته السياسة والطائفية، والمتواطئين والمستسلمين الذين قدموا للحزب المقامر البلاد والدولة والمؤسسات على طبق من ذهب. والنتيجة آلاف القتلى والمصابين ومئات الآلاف من المشردين في قلب وطنهم. إضافة الى خراب، ودمار، وخوف، وهلع.

والآن نحن أمام الاستحقاق. والمخيف بالنسبة إلى من صدقوا بائعي الأوهام، أن الاستحقاق لا يتطابق مع حسابات "حزب الله" ومحور "وحدة الساحات". فالثمن حتى الآن باهظ جدا جدا. والتطورات تنبئ بمزيد من الأحداث الدراماتيكية. وهنا لا نتحدث عن توسيع "حزب الله" نطاق ضرباته، واستخدامه أسلحة جديدة من شأنها أن تؤلم إسرائيل. المشكلة أن الحزب أخطأ ومن خلفه الإيرانيون في قراءة المشهدين الإقليمي والدولي بعد عملية "طوفان الأقصى" في ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣. لقد ارتكبوا خطأ كبيرا جدا حين ركزوا في متابعتهم المشهد الإسرائيلي الداخلي بعين الايديولوجيا والبروباغاندا. فتوقفا عند الخلافات السياسية والسلطوية داخل المستوى السياسي الإسرائيلي، وتعاموا عن رؤية حقيقة التحول الذي طرأ في الداخل الإسرائيلي، والتأييد الغربي اللامحدود الذي تتمتع به إسرائيل.

توقفوا عند مشاحنات الطبقة السياسية في إسرائيل، وعند بكائيات الصحافة الإسرائيلية التي أوهمت الفصائل الإيرانية وفي طليعتها الذراع اللبنانية التي تلهى قادتها بالتباري في تحليل الواقع الإسرائيلي الداخلي المأزوم، ولم يروا أنهم أقل كفاية من الإسرائيلي الذي يخوض حربا وجودية. حتى إن الحرب ضد "حزب لله" صارت بسبب جنون العظمة والتهور عندنا مطلبا جامعا لأغلبية الإسرائيليين. وباتوا مستعدين لدفع الثمن لقاء تدمير "حزب الله".

ولكن لو أن الأمر اقتصر على التنظيم لكان أهون على لبنان واللبنانيين. إنما تغلغل الحزب المذكور في لبنان على جميع الصعد مؤداه أن التخلص منه معناه العبور فوق أجساد آلاف اللبنانيين الذين تم الزج بهم قسرا في حرب لا علاقة لهم بها.

بالأمس قال رئيس مجلس النواب وشريك "حزب الله" في هذه المقامرة الكارثية إن الساعات الأربع والعشرين المقبلة ستكون حاسمة في نجاح المساعي التي يقوم بها أو فشلها في التوصل إلى حلول سياسية للأزمة.

ونحن نقول لرئيس مجلس النواب الذي يتحمل مسؤولية كبيرة عما يحصل اليوم، إن المؤشرات تدل على أنه اعتبارا من الآن يخوض "حزب الله" حرب وجود وبقاء، والضالعون في هذه الحرب كثر على الصعيدين الإقليمي الدولي. وعلى الرغم من الفاتورة الباهظة لبنانيا ستطول الحرب، حتى لو أتت المفاجأة من خلال استخدام "حزب الله" أنواعا جديدة من الصواريخ والأسلحة الفتاكة.

واستنتاجا، بدل أن يقبل "حزب الله" بمساعدة المجتمع الدولي ومعارضيه في لبنان لينزل عن الشجرة، فقد علق في مصيدة الإسرائيلي المستند إلى عمقه الغربي الإستراتيجي.