المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الأربعاء 5 آب 2020 18:49:56
على مدى أكثر من ثمانية عقود من الحياة الحزبية والسياسية على الساحة اللبنانية، لا شك في أن حزب الكتائب اعتاد أن يكون على رأس مقدمي الشهداء دفاعا عن القضية اللبنانية التي ناضل لها في سنوات الحرب اللبنانية وما بعدها. لكن، في زمن السلم، تماما كما الحرب الآثمة، المقيتة، يحمل ضربات قاسية لا يعرف القدر الأسود إلا أن يصفع بها الشجعان ومن اعتادوا ترويض الموت وفن القيامة...
هذه المرة، كانت الضربة قاتلة... قاضية، أودت بحياة واحد من أهم صقور حزب الكتائب، الأمين العام للحزب نزار نجاريان. صحيح أن الموت في ذاته صدمة وحزن وفراق وغياب وسواد وفراغ قد يمر عمر كامل قبل أن يملأه أحد. لكن الصحيح أيضا أن الموت في لبنان ليس كالموت في أي مكان آخر... ذلك أن قدرك الأسود يرافقك كظلك في بلد لا يعرف إلا أن يخبئ المفاجآت غير السارة، وهي حال نجاريان. ذلك أن الله أراد له النجاة من معارك الاقتتال الطائفي المقيت في ميادين حروب الآخرين. لكن الموت كمن له على كوع إهمال الدولة والقيمين عليها، وغياب المسؤوليات والمحاسبة الحقة.
على حين غرة، سقط "نازو"، كما يلقبه الكتائبيون والمقربون منه شهيد الاهمال في زمن السلم ، سقط شهيدا روى بدمه بيت الكتائب المركزي، المكان الأحب إلى قلبه، والذي شهد لحظات حياته الأخيرة، قبيل إصابته البالغة في رأسه، نتيجة نكبة بيروت ولبنان الكبرى في تاريخه الحديث، انفجار مرفأ بيروت، على بعد أمتار معدودة من بيت الكتائب المركزي في الصيفي، حيث كان "نازو" في مكتبه يمارس مهامه أمينا عاما لحزب انتمى إليه في شبابه وناضل في صفوفه...
وفي انتظار جلاء الحقيقة التي قد لا تظهر يوما في بلاد اللاعقاب، سيطيب لرئيس الكتائب النائب سامي الجميل و"الرفاق" الحزبيين استذكار نجاريان، "الأمين العام الذي يحبه الجميع". لكن هذه ليست الذكرى الوحيدة التي رحل نجاريان وتركها لأحبائه وزملائه ورفاق السلاح والميدان. ففي لحظات الغياب، تستحضر المسيرة المشرفة التي خاضها نجاريان، معطرة برائحة زهر الشهادة والبطولة إلى جانب الرئيس الشهيد بشير الجميل، الذي استشهد كما نجاريان، في بيت الكتائب (في الأشرفية). فالرجلان الصديقان التقيا على النضال في سبيل لبنان جديد كان بشير يحلم به ويرسمه في باله ويخطط له قويا قادرا على النهوض من كبوته. لكنهما كانا على يقين أن الشباب هم الوقود الأول لهذه المعركة الكبيرة. فكان أن كلف نجاريان تدريب الطلاب والشباب وتنشئتهم فكريا على القضية اللبنانية ومشروع النهوض اللبناني. لكن مرحلة ما بعد استشهاد البشير قضت على آمال وأحلام كثير من اللبنانيين، وهو ما يفسر خيار نجاريان الانتقال إلى التحليق في دنيا الاغتراب القطرية ثم الكندية، رجل أعمال ناجحا استطاع القفز فوق المصير الأسود الذي رسمه لبنان لعائلته، بعدما سقط شقيقه ريشار شهيدا في معركة قنات ضد القوات السورية.
على أن النضال لا يطيب إلا إلى جانب "الشجعان" وفي الميادين اللاهبة. لذلك، عاد نازو، الذي صار اسمه مرادفا لبشير ومسيرته المفعمة بالشجاعة، إلى بيروت، وتحديدا إلى بيت الكتائب المركزي، أمينا عاما لحزب الكتائب خلفا للمحامي رفيق غانم الذي استقال من هذا المنصب بعد الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2018. بابتسامته الطيبة الخجولة، وحنكته السياسية، تيقن نازو أن منصبه الجديد، الدقيق في زمن الانتخابات والمعارضة، ليس مجرد موقع حزبي عادي. إنه فرصة لإعطاء مشواره الحزبي بعدا جديدا، إلى جانب القيادة الجديدة، التي جددت نفسها وضخت بعض التغيير في عروقها في المؤتمر العام الذي عقده الحزب في شباط 2019، ولعب الراحل دورا كبيرا في تنظيمه.
إنها ضربة جديدة يتلقاها حزب الكتائب، وضريبة جديدة يدفعها النائب سامي الجميل والقيادة الكتائبية في بلاد تهوى القضاء على أبطالها بمختلف الأساليب الصحية والأمنية والنفسية والحربية. فبعد الشهيدين بيار الجميل وأنطوان غانم، والقيادي العتيق جوزف أبو خليل، و"أيقونة المقاومة المسيحية" جوسلين خويري، ها هو الحزب يقدم نجاريان شهيدا جديدا، حجز له الله مكانا بين الأبرار والأبطال، ليضيف ملاكا حارسا جديدا للبنان، الوطن، والعائلةـ والقيامة. فالشجعان لا يموتون... بل ينتقلون إلى الحياة، حيث الراحة المستحقة، والصلاة والأمل في غد أفضل بحكمة الله وشفاعة قديسيه وأبطاله...